كل مُلهم هو ابن بيئته وثقافته وزمانه، ما معنى ذلك؟ وكيف أقيّم المُلهم الناضج من غير الناضج؟

هاد يا اخوان، من أوائل الملهمين في حياتي المهنية كان متحدث رائع اسمه براين تراسي (Brian Tracey)، وهو رجل مبيعات ومتحدث باهر لديه كتابات ومحاضرات لا تعد ولا تحصى، استفدت منه بشكل كبير في بداية حياتي المهنية وأشكره على القيمة الكبيرة التي أضافها لي. كنت شغوف به لدرجة انني كنت أسمع له باستمرار في السيارة، وبسبب "ديكتاتوريتي" فقد كنت أجبر كل من يركب معي أن يستمع لمواعظه وحكمه ودروسه.


المهم، يوم من هالأيام اقترح أخينا اقتراح باهر في كيفية تحفيز موظف المبيعات لنفسه لتحقيق الأهداف الموضوعة له، وكنت وقتها أعمل في المبيعات. الطريقة هي إجبار النفس (أو الغير) على أخذ قرض وشراء سيارة أعلى من راتب الشخص الحالي. وبهذه الطريقة سيشعر الشخص بالفخامة مما سينعكس على طريقته مع العملاء ونتائجه، بالإضافة الى وجود حافز قوي جدا لتحقيق "التارجت" البيعي كل شهر حتى يستطيع تسديد أقساط السيارة من العمولات! طبعا، أخوكم ما كذب خبر وقررت أطبق اقتراحه وأشتري السيارة جديدة. شو بدكم بطولة هالسولافة، دخلنا بالحيط رسمي! وما في داعي أعطيكم تفاصيل أكثر حفاظاً على ماء وجهي وسمعتي العطرة وحتى ما أنطرد من الموقع.


شو دخل هذا بالإلهام وبتخصصي؟

كل مُلهم هو ابن بيئته، يلاحظ ويفكر ويحلل ثم يستنتج فينصح نصائح مناسبه لبيئته وزمانه وثقافته، وليس شرطاً أن تناسب كل زمان ومكان! وإليكم بعض الأمثلة على أفكار ملهمين عالمين بحاجة لتنقيح قبل تقديمها لمجتمعنا.


توني روبنز (Tony Robbins)، مُلهم أمريكي غير عادي، أثّر في حياة الملايين ونشر خير كثير. وبسبب فقره في صغره فقد تشكلت عنده عقلية الفقير والخوف من الفقر، فقرر تغيير هذه العقلية من خلال ترك نصف أي شيء يطلبه من شراب حتى يلغي عقلية الندرة ويغيرها بعقلية الوفرة! طب وين راحت فكرة عدم التبذير ورمي النعمة؟


سيمون سينيك (Simon Sinek)، المتحدث والمؤلف والمفكر الرهيب، صاحب أفكار ملهمة كثيرة، يرى أن الشخص الذي يسافر ويعمل ليل نهار ولا يرى عائلته أو يأخذ عطلات، ولكنه شغوف بعمله، سيشعر في نهاية المطاف أن ذلك العمل يستحق كل تلك التضحيات الأخرى! طب وين راحت فكرة خيركم خيركم لأهله؟


حتى في مواد التدريب الإداري المستوردة من الخارج فهناك أمثلة كثيرة لفكرة العلم المستورَد بدون تنقيح، فمثلا: ينصح عند الخروج لاجتماعات الغذاء بمسك الشوكة والأكل باليسار والتقطيع باليمين، كما ينصح كتابة أهم معلومة في شريحة العرض في أعلى اليسار. إذا ما عرفت شو الخطأ هون، فإنا وإنت أكيد مش عايش في نفس البيئة يا حج!

شو هدفي من كل هالأمثلة؟

هناك الكثير من الملهمين الرائعين حول العالم، ومن واجبنا كملهمين عرب أن نقرأ لهم ونتعلم منهم ونستفيد من خبراتهم ولكن (وحطوا لحالكم 10 خطوط على ولكن) الفرق شاسع ما بين ملهم عربي يستورِد الأفكار جاهزة ويقوم فقط بتعريبها وإطعامها للمتابعين كوجبة لذيذة ولكن مضرة مثل الوجبات السريعة، وهذا هو الملهم المستورِد (بكسر الراء) الذي حذرت منه في العنوان، وبين آخر تعلم واستفاد من العلوم المختلفة حول العالم ولكن قبل تقديمها للمتابعين، يقوم بتمريرها في "فلتر" عقله لتنظيفها وتنقيحها من أية شوائب عالقة من البيئات الأخرى، وكنس الأفكار المضرة وإبقاء الذي ينفع الناس، فيقدم وجبة مفيدة صحية وقابلة للهضم. وهذا هو الملهم الناضج. طبعا لا داعي لتأكيد عدم ارتباط العمر بنوعي الملهمين.


أكيد بتسألوا حالكم الآن: وأخينا أحمد مين مفكر حاله؟ طبعا النوع الثاني، كيف أصلا تسألوا هذا السؤال؟؟! (أنا حاليا مبتسم عشان بمزح وأرجو أن تكون ابتسمت أنت أيضا وفهمت الفرق بين المزح والجد). جد، أنا أتمنى أن أنضج سنة عن سنة كإنسان ومدرب ومؤثر، ولكن لا يخلو الأمر من الوقوع بعض الأحيان في فخ الاستيراد الجاهز السهل، وهنا يأتي دور حضرتك، أيها القارئ الناضج، أن تبدي رأيك بنضج ولكن بوضوح بدون تملق ولا خوف من هالة المُلهم الوهمية.


وأعوذ بالله من أي كِبر يمنعني من الإنصات الى النصيحة، فلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. وأنا بصراحة بخطط أدخل الجنة إن شاء الله.


قولوا آمين وسامحوني أيها النحويين على خلط العامية بالفصحى!

أسدولوجي

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

فكرة مهمة. جميل

تدوينات من تصنيف تحفيز

تدوينات ذات صلة