وصفة تحضير الأهداف السنوية على الطريقة العربية

***هل يمكن للثقافة العربية أن تضيف أي شيء للنماذج الغربية لتحديد الأهداف؟***

الذكريات غريبة جداً! صح؟ انتقائية، غير منطقية. هي ملكنا تماماً وفي نفس الوقت لا سلطة لنا عليها!

مع إني ناسي شو اتغديت امبارح، بس متذكر بكل وضوح أول هدف حطيته في حياتي وأنا في الصف السابع: "والله مش رح آكل إشي غير لما أنحف!" وكنت وقتها "مَليان" كما كان إخوتي الرائعين يُذكّرونني خلال رياضة "يلّا نتخوث على بعض" اليومية، وكانوا يومها مستلمينّي. بعد خمس دقائق من وضع هدفي، سمعت صوت أمي تنادي للغداء مع روائح شهية كالعادة قادمة من المطبخ! وبدون تردد وبإرادة من حديد: رحت "ركاض" على المطبخ وكنت أول واحد أمسح الصحون مسح! ومن هنا بدأ مشواري في موضوع وضع الأهداف. نجحت في بعضها وفشلت فشل ذريع في معظمها (إحصائية^: فقط 8% يحققون أهدافهم السنوية بالكامل).

والملاحظ أنّ كل شيء له موسم. فموسم الكرم والعطاء يبلغ ذروته في رمضان، وموسم "البِسَسْ" شباط، وموسم السّفر الصيف، وموسم السحلب الشتاء.... أما بداية السنة فهو موسم وضع الأهداف بلا منازع (إحصائية^: 6 من كل 10 أشخاص يضعون أهداف أول السنة).

ومن أشهر نماذج وضع الأهداف هو: SMART**. وكما أسلفت ذكراً في مدونتي السابقة، فالبشر يشتركون في صفات ولكن أيضا يتفرد كل مجتمع بصفات معينة عن غيره. لو فهمنا هذا التفرد قد نستطيع تحقيق نتائج أفضل من خلال تعديل نموذج الأهداف. اسمحوا لي اليوم أن أكون "الشيف" لشرح وصفة تحضير الأهداف السنوية على الطريقة العربية*. (إحصائية^: الأشخاص الذين يضعون أهداف واضحة تزداد احتمالية تحقيقهم لأهدافهم 10 أضعاف مقارنة بالآخرين)

ونبدأ باختيار مطبخ هادئ لتحضير الوصفة ومراجعة النفس وإنجازات السنة الماضية.

المقادير:

1. أعشاب التقبُّل وفهم الذات: هنا ينبغي التأكيد على أهمية "النَّفَس الحلو" في الطبخ، فما بزبط البدء بجلد الذات والشعور بالفشل المتكرر أو عدم تحقيق ما يكفي. ليش؟ لأن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، ووسعنا وقدرتنا وظروفنا وطريقة تفكيرنا في وقتها سمح لنا بهذا القدر من الإنجاز في السنة الماضية. طبعا كلامي غير موجه للكسول بشكل مقصود أو من لم يحاول، أنتم بالذات اجلدوا للصبح بلكي تحسّوا.

2. لحمة الأمنيات: الآن بعد ما استعدينا نفسيا، نبدأ، باسم الله، بوضع قائمة الطبخات التي نتمنى تجهيزها. وهنا أشدد أن ما نتمناه يختلف عن أهدافنا. شو الفرق؟ ما نتمناه هو النتيجة النهائية مثل: الزواج، النحافة، اللياقة، شراء بيت، سيارة، إسعاد الأهل، تربية الأبناء الصالحة، دراسة الماجستير وغيره. كل هذا ليس بأيدينا، فهو بيد الله وله حكمته في العطاء أو المنع، فمن غير المنطق وضع أهداف بهذا الشكل.

3. عجينة الأهداف: الشيف الشاطر يعرف أن هذا المرحلة هي الأهم، فيشمّر ويستعد لعجن وتجهيز الأهداف بشكل دقيق. الأهداف هي السلوكيات التي نتوقع أنها ستوصلنا الى أمنياتنا ولدينا تحكم نسبي بها. مثل: لعب رياضة 4 مرات أسبوعيا، التوقف عن أكل الحلويات، توفير 100 دينار أو قراءة كتاب عن التربية كل شهر. وتوضع هذه السلوكيات تحت بند السعي أو الأخذ بالأسباب، وهذا المطلوب منا كبشر. أنصح هنا بالاستعانة بكتاب الوصفات الغربية وخصوصا المطبخ الأمريكي للأهداف كنموذج SMART**.

4. رشّة توكّل: إذا تم وضع الجهد المناسب في عجن الأهداف بالشكل الصحيح فما على الشيف إلا إضافة شوية "توكّل على الله". طبعا مهم هون التأكد من عدم انسكاب قنينة التوكل كاملة وإلا تحوّل التوكّل الى تواكل!

5. بهارات قليلٌ دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع: خلال تحضير الطبخة لا تستعجل! ما تزيد من حرارة حماسك من أولها عشان ما تحرق الطبخة وتتخلى عن أهدافك بعد 15 يوم من بداية السنة (إحصائية^: 95% من الأشخاص يحدث ذلك معهم). كما أنصح أيضا بعدم محاولة تحضير أهداف أكثر من قدرتك حتى لا تخور عضلة قوة الإرادة، لا تقلبها مسابقة طبخ! هدف واحد مناسب كمحاولة، ويمكن الزيادة السنة القادمة. (إحصائية^: الأشخاص الذين يضعون هدف واحد واضح هم أكثر احتمالا لتحقيق الهدف من الأشخاص الذين يضعون أكثر من هدف).

6. يخنة خَيركم خَيركم لأهلِه: احذر عزيزي الشيف من عدم موازنة المقادير، فزيادة "ملح العمل" على حساب "سكر الأسرة" سيؤدي بك الى فقدان التوازن والطعم الجميل لأي طبخة عربية، فتذكر دائما: الوسطية.

7. توست حَبّة البَركة: حط في بالك، غيرك عنده طبخات خاصة، فإذا احتاجوا شوية مقادير من عندك، ما تبخل عليهم! أعطِ، وتذكر أنه ما نقص مال من صدقة. مرات دعوة من جارك الطبّاخ ممكن تكون حبة البركة التي تحتاجها لنجاح طبختك!

الآن أنت جاهز تشوف نتيجة عملك وجهدك. ولو ما طلعت الطبخة زي ما بدك، ارجع لنقطة 1! واعلم أنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً! فما تزعل، ففي كل نقطة عرق إلك أجر، بكفي النية والجهد. وبرضه ما تفرح كتير إذا نجحت، فيدخل في قلبك الكِبَر والغرور وهات عاد طلعه. وتذكر أن نجاح الطبخة العربية جزء بمجهودك والجزء الآخر ببركة الله وتيسيره.

بالهناء والشفاء وما تنسى نصيب الناس من طبختك! وكل عام وأنتم بألف خير وصحة وسلامة وبركة وراحة بال.

اللي عجبته الوصفة أو عنده أسئلة عنها، اضغط ألهمني وضع سؤالك وبتشرف تتابعوا مدونتي.

^

الإحصائيات: University of Scranton. Journal of Clinical Psychology. Done on Americans 1/1/2014

إحصائبة 95% من الأشخاص يتخلون عن هدفهم في 15 يناير : توني روبنز

صورة الشيف الأردني: صفحة The Jordanian Chef الشيف الاردني