تحكي هذه الرواية أخبار معتقلي سجن تزمامرت والذين تعرضوا لممارسات لا إنسانية هائلة، وبعد ضغط منظمات حقوق الإنسان تم الإفراج عمن تبقى منهم.

" هنا .. في هذا القبر ، في باطن الأرض الرطبة ، المفعمة برائحة الإنسان المفعم من إنسانيته بضرباتٍ معزقة تسلَخُ جلده ، و تنتزع منه البصر و الصوت و العقل ... و جُعِل الموت في بطئه الرشيق موتًا متماديًا في تأنيه "

كانت تلك بداية الرواية .. لا أعلم أكانت بدايةً تحذيرية لما سأواجهه من آلامٍ أشعر بها عند قراءتي لكلّ كلمة .. فأكفّ بدوري عن قراءتها .. أم أنها كانت بدايةً تحفيزية لمعرفة مكامن القوة لدى ذلك الإنسان الذي عانى و قاسى مالا يطيقه بشر .. فأُتم قراءتها في مدةٍ أقصر مما كنتُ أتصورها ..

نعم .. هذا ما يفعله بك أدب السجون يجعلك تنظر إلى آلامك و مصائبك على أنها لا شيء أمام ما يمرّ به غيرك فيقتل أنانيتك .. و يجعلك تصمم على أن يكون لك دورٌ و لو بسيط في إنهاء ذلك الظلم فيُضاعف إنسانيتك ..

خمسة و عشرون كانوا و بقيَ منهم أربعة !!

بين تفاقم الأمراض و لدغات العقارب و الإصابة بشيءٍ من العته تكون نهايتهم في زنزانة " أقصد في قبر أو حفرة " .. دموع الأمهات .. آلام المفقودين و المُفتقِدين .. و عذاب السجين .. و تلك الأخيرة كفيلةٌ بأن تُذهِبَ كل تلك الخطابات و الكلمات أدراج الرياح .. حاليًا بتُّ أفتِّش عن الحجر الأسود الذي يُطهّر إنسانيتنا التي دنستها كل سياسة و كل فُرقة بيننا في كل مجتمعاتنا العربية و الإسلامية ..

أتساءل : هل ندّعي الشعور بألمهم بالحروف التي نكتبها و نحن على فرشٍ وثيرة .. و نتذوق ما لذّ و طاب من أطعمة .. و نرى ضوء الشمس " على الأقل " .. أم أنه فقط إفراغ حرفٍ كفيلٌ بإسقاط فرض كفايةٍ عنا ؟؟

و رُغم كلّ ذلك يكون هناك بصيصٌ من نور " باهر " في " تلك العتمة " لدى ذلك المعتقل هو أجمل ما يبصره كلُّ سجينٍ في هذه الحياة .. نور الإرادة .. العزيمة .. الحب .. و نور الله الذي لا ينقطع ..

أخيرًا أقول .. إذا أردت أن تتقن الكتابة عن الألم و قسوته بطريقةٍ تصل للمستمع و القارئ فعليك بأدب السجون عامةً و هذه الرواية خاصة .. و إذا كان الشهداء مدرسة للتضحية .. فالمعتقلين جامعةٌ في الصمود و الإرادة و العزيمة ..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

احسنت, رواية جميلة حقا.

إقرأ المزيد من تدوينات أسماء فرحات

تدوينات ذات صلة