هل فعلاً ممكن أن يورّث هذا المرض للأطفال وهل في حال وجود عامل وراثي هل من الممكن مقاومته؟ عادة نقول عن رجل هذا نرجسي أو تلك الفتاة نرجسية، وتعني حب الذّات، والصفة العامّة لهذا المصطلح "الأنانية" حيث أنّ الإنسان النرجسي يرى نفسه الأفضل في كل شيء مهما كان، ويضع الآخرين بمكانة أقل منه ويرى نفسه محور الكون .


تعريف


أتت كلمة النرجسية من أسطورة يونانية، ولها روايتين:

الأولى: كان هناك شخص يدعى نارسيس، وكان جميلاً جداً، وبسبب جماله عشق نفسه عندما رأى انعكاس وجهه الجميل في الماء، فأراد يوماً ما أن يلمس جماله وقفز في البحيرة التي اعتاد أن يجلس عندها مطوّلاً متأملاً جمال وجهه، فغرق ومات، وظهرت مكان جلوسه وردة، وكانت هذه الوردة هي "النرجس".


الثانية: كان هنالك فتاة عشقت شابّاً جميلاً جداً حتى الجنون، ومن شدّة حبّها له أصابها المرض والتعب والإعياء إلى أن ماتت، وغضبت الآلهة وأرادت أن تعاقب هذا الفتى المدعو نارسيس، فجعلته يعشق نفسه بصورة غريبة عندما رأى انعكاس وجهه في الماء، وظل يجلس بالساعات متأمّلاً صورته، وبعد فترة إصابته حالة من فقدان العقل، فقفز بالماء ليلمس صورته، وعندها غرق ومات، وظهرت في ذلك المكان وردة يقال بأنّها "النرجس".


ولكن الحقيقة التي لا يعلمها الكثيرون إنها متلازمة مرضية تدعى Narcissistic personality disorder ، وهو منتشر بين الرجال أكثر من النساء ، قديما كانت نادرة الوجود بنسبة 1٪ ولكن في العقود الأخيرة ظهرت جلياً مع تطور وسائل التواصل الإجتماعي حيث هرع العلماء بدراسات حثيثة للأشخاص المدمنين على صور “السيلفي" ومحاولة ربطها بهذه المتلازمة . وأظهرت نتائج هذه الدراسات أن النرجسية مرتبطة بشكل كبير بعدد الصور المعدلة والتي تظهر فعلاً أهمية إظهار الذات وبفترات زمنية متقاربة على مواقع التواصل الإجتماعي، وهي لا تشبه متلازمة ميكافيلي Machiavellianism حيث إن الشخص يركز على صفاته الشخصية فقط ويتلاعب بها ليخدع بها الآخرين ويستغلها لتحقيق أهدافه. واقترحت هذه الدراسة أنّ النرجسيين يبذلون جهداً كبيراً في صور السيلفي لإظهارهم بأجمل شكل بالصور الذاتية ويبذلون جهداً إضافياً لتبدو أفضل من غيرهم. ومن ناحية إرتباطها بالأمراض العقلية فوجدوا إن الرجال ينشرون العديد من صور السيلفي ولكن بدون تعديل.


علاقة النرجسية بالوراثة حسب علم الجينات

دراسات علمية أثبتت أن النرجسية مرض يورث من الأباء للأبناء! ومسؤول عنه جين أو أكثر الجينات تحتاج إلى الظروف المناسبة حتي تظهر الصفات على أصحابها.

ولكن في 2007 ظهرت دراسة أمريكية تثبت أنّ هذا المرض يورّث وراثة مندلية والجين المسؤول عنه يدعى Tryptophan hydroxylase-2 ، حيث الأشخاص المصابين يعانون من نقص في هذا الجين وهو عبارة عن إنزيم مسؤول عن تنظيم السيراتونين في الدماغ ، ويقول العلماء إن ظهور المتلازمة يظهر جلياً لدى الأشخاص الذين عانوا في طفولتهم قصور في الرعاية و عدم الإنتباه وبالتالي توفر كل العوامل النفسية في فترة ما تعمل على نقص أو إغلاق عمل هذا الجين .

وهنا نستدل إن الكثير من الأمراض والسلوكيات مرتبطة بالجينات وظهورها يحتاج إلى توفر العوامل البيئية التي تعمل على تنشيط أو تثبيط جين ما وهذه هي قوة فوق الجينات Epigenetics. وكالعادة يفاجئنا عالم الجينات ويزيد وعينا في أهمية اختيار الشريك بشكل متخصص أكثر ودقيق، وليس فقط على درجة التدين أو أنماط الشخصية التي ستورث لأجيال قادمة ولكن تبقى قوة الصفة محكوم عليها بعلم فوق الجينات Epigenetics.


المصادر :


مصدر ١

مصدر ٢

مصدر ٣

مصدر ٤



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

🌼Very nice, thank you

حين يمتزج الأدب والفلسفة بالعلم.. سلمت يداك د.علياء

إقرأ المزيد من تدوينات علياء كيوان

تدوينات ذات صلة