" العمل لا يقتل مهما كان شاقاً وقاسياً، لكن الفراغ يقتل حتى أنبل ما في الانسان"


التفكير المفرط هو التفكير الزائد عن اللزوم حد الهلوسة ، وبلا أسباب منطقية ، قد يؤدي حدث صغير في حياتنا الى أن يجعلنا نبدأ بوضع قوائم عديدة من الاحتمالات الغير واقعيه والقلق حيال كل واحد منها .

بما في ذلك ال ( worst case scenario) وهو ما يحدث عندما يتطرق عقلي لوضع أسوء احتمال أو كارثة قد يتداعى لها موضوعٌ معيّن ..وعلى الأغلب تحدث عندما اجد نفسي احمل آمال كبيرة.. مثلاً التقدم لمنحة ما أو سفر…الخ. وأحيانا يرتبط بتصرفات اشخاص, كانتظار رد فعل معين مثلا لشيً ما ويأتي رد مغاير تماماً.


أعتقد أن ال(wcs) الى حدٍ ما وتحت ضوابط عقلية سليمة ، هو أمر مقبول لكونه يحمل نوعاً من الحماية الذاتية ! بذلك أنا لا أضع كل تفاؤلي في شيء أو شخص واحد.. ثم أتحطّم لعدم تحقيقه أو إن لم يرتقي ذلك الشخص لسقفِ توقعاتي فيسقط ذلك السقف على رأسي!


بعد أول وأكبر خسارة معتبره في سنين مراهقتي الا وهي التعثر في تلك الصخرة الهائلة المسماة بالتوجيهي تلتها مأساة واحدة فقط ، جعلتني أضع نقطة وابدأ بنظام فكري جديد متعدد المتاهات ، بذلك أصبح توقّع الكارثه وتقبلها هو من أفضل ما لجأتُ إليه منذ ذلك الحين والى الآن لتخفيف حدة المصائب على نفسي . لأنه مهما تدهورت الأمور للأسوأ ، أكون قد تقبلت الأمر مسبقا في عقلي وقلبي بل وتوقعتُه فبذلك لا يضرني شيء حقاً. لا أعتقد أنها أفضل ما قد يلجأ إليه المرء لتخطي العقبات , لكنها أفضل من التقوقع على نفسك والعيش في الوهم .


الإهتمام الشديد بالتفاصيل يمشي يداً بيد مع التفكير المفرط ،كلما رأت عينك ما لا يراه غيرك كلما تأرقت ليلا بكل ما يحدث وغرقت مرغماً بسيل من التفسير والتحليل لأمور سخيفه .. قد يكون شيئا بسيطا كتعابير وجه أو حركة يد أو حديث مبطن حتى!

كان لدي صديقة في سكن الجامعه لديها هوس شديد بمعنى الكلام, لا سيما أنها كانت محاطة بجمع هائل من الأصدقاء المزيفين.

كانت تجلس ساعات طويله تحاول فهم مقصد فلانه من غمزة أو حركة يد أو لمز اثناء حديثهما وحتى طريقة نطق دكتور الماده باسمها واختلاف النبره عن باقي الاسماء ! ثم بعد جمع الكثير والكثير من الدلائل تبدأ بابتكار ردود فعل كانت لتكون أنسب وأجدى وأكثر راحة لها قبل النوم . كنت أراها تذهب للجامعه مرهقة الجسد بهالة سوداء وجفون شبه منتفخة . سألتها في ليلة بعد حديث طويل عن معاناتها مع تلك الفتيات ، ما الداعي من كل ذلك؟ أعني بإمكانك تكوين صداقات أخرى ..حقيقية، ذات معنى أعمق!

تنهدت وقالت : عندما تجتمع العقد النفسية مع الحاجة للقبول يتحول التفكير المفرط الى مرض مسرطن ينتشر ببطئ حتى يحتل كل الجسد !

معها حق..التفكير المفرط يرتبط بالجسد والسلوك بطريقه عجيبه .. ومؤثره جدا ، مثلا لو كنت على وشك أن تحتسي قهوتك وغرقت بالتفكير ,وهذا أحد سلبيات الأمر الخفيفة.. قد لا يتسنى لك الانتباه أن القهوة ساخنة جدا ! فتحرق لسانك. أو تنسى إضافة السكر حتى الرشفة ما قبل الأخيرة! تستحوذ عليك شرادةُ الذهن. تصبح في معنى آخر غير حاضر جسديا .

وقد تغضب من شخص ما لتصرف حللته أنت بطريقة خاطئة و بلا وعي تتغير سلوكياً معه .. الأمر الآخر السلبي حيال الأمر وهو عدم القدرة على المواجهة! أنت لا تدري تفسيراتك صحيحة؟ أم أنك حكمت بالنفي على شخص في حياتك لأنك أسقطت تجاربك الماضيه عليه؟


أريد أن أرسم الابتسامة على وجهك باقتراح علاج التفكير المفرط نهائيا ! لكنني لم أصل الى هذه المرحلة بعد.

لا يمكن مسح جميع الأفكار الزائدة ولكن يمكن التخفيف من حدتها ورسم خطوط نقف فيها رافعين الأيدي عن أي قضية استصعب حلها.

و لأنني كنت أعاني من الوسواس المرافق لهذه العادة التي كانت ترهقني وتقض نومي دائما فقد ابتكرت عدة أسئلة سهّلت عليّ تحديد نقاط " مهيّجه" للتفكير، بعد اجاباتها أترك لك دفة القيادة لتبتكر حلولاً بسيطة للتعامل الآمن معها.

عليك أن تبدأ بوضع نفسك أولا : راحتك، وسعادتك، وطمأنينتك ، سيساعدك ذلك على التحلي بالشجاعة اللازمة لخوض العديد من المعارك والتخلص من بعض العلاقات السامة . باستخلاصها نهائيا بدلاً من أن تقع في دوامة التفكير، فتأتي وسادتك راضياً مرتاحاً .


  • اسأل نفسك : ما هي المواقف التي لا أستطيع الرد عليها ، فاستبدل الرد بالتفكير؟

يفكر الانسان كثيرا عند تعرضه لمواقف المواجهة أو مشاكل العمل والدراسه أو عندما يكون على وشك اتخاذ قرار مهم ... في بعض الحالات المزمنة قد يفرط الانسان بالتفكير ويغضب لو نسي شيئا لا ينساه بعادته. كن واضحاً مع نفسك . ولا تتردد أو تمسك لسانك عن الرد في تلك المواقف.


  • فكّر : ما هو أكثر وقت تقضيه بالتفكير؟

ان كنت من المحظوظين أمثالي يا عزيزي فسيكون منبهك قبل النوم مما يجعلك ايضاً تعاني - مضطراً - من الأرق والتعب وهذا يرفعك على درجات الاكتئاب واحدة تلو الأخرى .. تلك تداعيات عقل لا يدري متى يضع اشارة التوقف عن الكلام والأسئلة.


  • اذا، كيف نحل هذه المعضلة ؟

في بداية الأمر جد ملهيات عديدة تجعلك من شدة الانشغال لا تأتي الفراش إلا وقد أخذ منك النعاس مأخذه .. فستصبح تواقاً للنوم والراحة التي لا شك سيرغمكَ جسدك عليها بعد يوم عمل طويل ومجهد. فالفراغ هو أحد أكبر الأسباب للتفكير في أشياء لا معنى لها.


يقول علي الطنطاوي : " لقد جربت زحمة الأعمال، ‏وكثرة الإرهاق ، ‏فوجدت الفراغ أصعبُ منها بكثير"

فأنت بتفريغ حياتك من الأعمال أو الإجهاد وملئها بالضجر والروتين الممل يصبح عقلك محشيّاً بطاقة مهوله غير مستخدمة فلك أن تتخيل ذلك الكم من الطاقة تتوزع على فعل رأيته ولم يعجبك..أو قول جارح وكل ردود العالم المتاحه له .. أو قرار سهل وواضح رغم مراوغتك لاتخاذه. وكأنك تسعى لتدمير ذاتك بهذا النوع من الأفعال !


قم يومياً بالتحدث مع نفسك أمام مرآه أو بكتابة ملاحظات في كل مكان ..استخدم عبارات توقف فيها الأفكار، أخبر نفسك بالتحلي بالقوة ، والتركيز على الواقع فقط .. انتصر على نفسك بمساعدة من عقلك، لا تستهن به فهو سلاح نووي قوي جدا قد يصل بك إلى أبعد حدود الراحة الفكرية.

كن أكثر توقاً للإيجابيات في الحياة، غيّر روتينك، مكان جلوسك، كأس قهوتك، مكان الدراسه، طريقة العمل .. الخ.


كن انساناً منتجأ مشغولاً في شؤونك الخاصة بدلاً من شؤون الآخرين .. ثم الجئ لجانبك الديني والروحي للحصول على الطمأنينة اللازمة لتخطي الازمات الصعبه التي لا تستطيع لا انت ولا أفكارك حلها .. وحدها العنايه الالهيه قادرة على ذلك.


Tamadur Alkhotaba

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Tamadur Alkhotaba

تدوينات ذات صلة