تقاطعات وتوازيات المرحلة المكية مع نزول القرآن الكريم.
-السيرة مستمرة كتاب للدكتور أحمد خيرى العمرى.
الكتاب يتحدث ويسرد السيرة النبوية الشريفة من ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى هجرته إلى يثرب "المدينة".
" يعتقد الكثيرون أن السيرة النبوية قد قٌدمت على نحو لا يمكن أن نتوقع فيه جديدًا من كتاب يتحدث عنها. وهذا صحيح فيما يتعلق بسطح السيرة النبوية أى أحداثها العامة الظاهرية جدًا.
لكن لو حفرنا قليلًا، لو نقبنا قليلًا خلف السطح لوجدنا الكثير مما هو غير مستكشف وغير مطروق ". هكذا يعبر الدكتور أحمد عن طريقة طرحه للسيرة النبوية (محاولة تنقيب تحت السطح).
فى هذا الكتاب نحن نحاول الإقتراب قدر الإمكان لمشاهدة السيرة من داخلها، أن نرى السيرة بعينيه الكريمتين ويمكن ذلك أن يحدث _بحدود_ من خلال الآيات القرآنية التى خاطبته عليه الصلاة والسلام مباشرة وكشفت عما كان يدور داخل نفسه الشريفة.
البداية المعتادة فى كتب السيرة هى وصف لميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم وما ترتب على ولادته، ولكن هنا البداية مختلفة بالتأكيد، البداية من قبل ذلك بسنوات عديدة، نبدأ بالحروب بين الفرس والروم ونتطرق معهم حتى الحرب التى أنهكتهم حتى أصبح من السهل لقوة ثالثة أن تقضى عليهم سويًا، وآثار تلك الحروب على مكة وكيف استفادت منها قريش، لتصبح قريش التى نعرفها.
أجاب الدكتور أحمد على كثير من الأسئلة التى كانت تجوب فى خاطرى، منها مثلًا ما هو الدافع وراء رغبة أبرهة لهدم الكعبة، وتصرف القريشيين تجاه ذلك؟ كيف كان صلى الله عليه وسلم حفيد عبد المطلب (سيد مكة) ولا يعرف القراءة والكتابة؟ لما كان إسلام عمر مهم جدًا لهذه الدرجة، أو بالأحرى ما هو المشترك بين عمر وعمرو بن هشام " أبو جهل" ليضعهم الرسول فى دعاء واحد؟
وضعنا الدكتور، "نحن معشر القُراء" داخل الأحداث، شعرت كما لو كنت هناك، أراقب من قُرب. أراقب ميلاد الرسول ومشاعر عبد المطلب بين فرح وحزن، أراقب ذهاب محمد الرضيع مع حليمة السعدية لبادية بنى سعد، وعودته مرة أخرى لأمه آمنة بنت وهب.
كنت أراقب وبكيت معه يوم بكى وأبكى الجيش كله عندما مر عليه الصلاة والسلام بالأبواء بعد غزوة الفتح بقبر أمه آمنة.
راقبنا الظروف التى أهلته عليه الصلاة والسلام ليكون الرسول الخاتم وتفاعله مع أحداث حياته. رأينا خديجة " سيدة الحكمة"، سيدة نساء العالمين كيف آمنت به عليه الصلاة والسلام قبل أن يؤمن هو بنفسه، يوم نزل مرتجفًا من غار حراء. نكاد نراها وهى تقول له " كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبدًا".
كنا معه طيلة رحلته فى تبليغ رسالة ربه، رأينا سخرية قريش وبطشها بالمستضعفين من المسلمين ممن لم يكن لهم عشيرة تمنعهم، رأينا صد المشركين وايذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ورأينا كيف أن يكون للمرء عم مثل أبو طالب يدافع ويحمى ويمنع الأذى عن إبن أخيه والعم الآخر عبد العزى " أبو لهب" كان أول من اعتدى وايذائه كان حتمًا أشد وقعًا على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف وهو إيذاء من ذى القربى.
كنا هناك نراقب عن قُرب ملامح العبقرية فى تصرفات النبى، عندما نصح أصاحبه بالهجرة للحبشة، لحماية المستضعفين وتجنب الصدام مع قريش.
وتتوالى الأحداث بعد ذلك حتى أن أُذن للرسول أن يهاجر للمدينة بعد محاولة قتله من قريش، اترك لكم المجال لقراءتها والاستمتاع باسلوب الدكتور العمرى الرائع.
الهدف من تنقيب الدكتور أحمد فى السيرة هو إدراك ذلك البعد الإنسانى شديد العمق، شديد الصدق.
أن نشعر كم كان صلى الله عليه وسلم إنسانًا حقيقيًا طبيعيًا حتى النخاع، نكاد نتحسس مشاعره ونلمسها باليد.
عنوان الكتاب كان اختيار موفق للغاية، فسيرة رسول الله مستمرة لأننا لا نزال نجد فيها ما يستمر داخلنا وما يجعلنا نستمر أيضًا.
صلّ اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وإمامنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات