الجدل الذي أحدثه فيلم جوكر قادني إلى مشاهدته أخيرا، حقا لقد أضاع مني النوم عندما أيقنت أن المجتمع هو من يصنع الضحية مجرما، فهل توافقوني الرأي؟

لماذا فيلم هوليودي بامتياز ذو إيقاع صاخب، قتل ودماء وأشرار، هذه العناصر التي اعتدنا وجودها في أي فيلم آكشن، لماذا تكون مصدر قلق وذعر لدى زوار السينما لدرجة أن بعضهم لم يستطع البقاء على كرسيّه ففرّ هاربا للخارج؟! لم أعرف الجواب إلا بعد أن قررت مشاهدة هذا الفيلم ومتابعة وقائعه ثانية بثانية.

أظن أنني عملت بعبارة إحدى القنوات المصرية "مش حتقدر تغمض عينيك"، أُقر أن النوم طار من عيني رغم محاولاتي المستميتة لإعادته لكن بلا جدوى، بعد أن شاهدت فيلم جوكر للمخرج تود فيليبس والذي كسر حاجز المليار دولار في البوكس أوفس.

ولا يستهويني حقيقة حرق أحداث الفيلم لمن لم يشاهده مسبقا، لكن دعوني أقول لكم إنه يجعلنا نبدو مجرمين أو أننا كذلك.


جوكر.. المهرج القاتل


تدور أحداث الفيلم حول شخصية آرثر (الذي جسده الممثل الأمريكي جاكوين فونيكس ببراعة)، حيث كان يعيش مع والدته ويعتاش على لباس المهرّج الذي يرتيده يوميا لرسم البسمة على وجوه الآخرين، رغم أن ذلك لم يحدث يوماً. ولم يمنعه اضطرابه النفسي ويأسه وفقره من التوهّم بوجود أيام سعيدة وحب يطبطب عليه بين الحين والآخر، ثم ما تلبث أن تنتهي هذه الأوهام بفعل الواقع المرير الذي يعيشه آرثر، بسبب السخرية والرفض والاعتداء المتكرر عليه.

يصرخ آرثر بقوة ليقول أنه يبغي العيش حياة طبيعية لكن المجتمع يرفض ذلك، حتى تتحول معالم ذلك المهرج الضحوك إلى قاتل مرعب ينشر الرعب في كل مكان يذهب إليه.

إلى درجة أن اللذة التي كان يشعر بها كانت تكمن في تمرده وبسط قوته وهذا تجلّى في المشاهد المضيئة بالشمس والتي كان يرقص فيها رقص المجروح المتكبِّر.


المجتمع المجرم


إنه أول فيلم يجعلنا كمجتمع في محل المجرم، والضحية كان آرثر ومن هم أمثاله، فلو التفتنا إلى فئة مجتمعية مثل الموظفين الذين يُعامل بعضهم كالعبيد أو إلى المرأة التي ينظر لها على أنها ضحية ومستضعفة فيتعرضون للتنمر والعنصرية، لوجدنا أن آهات في داخلهم مكبوتة تكفي لزلزلة الأرض ومن عليها. أسوأ الآلام هي التي لا يبوح بها صاحبها خوفا أو ذعرا من أحد، هذه الآلام على صورة كلمات سلبية أو تجريح وإهانات أو إهمال لحاجة من احتياجاتهم.

علينا أن نعيد التفكير بكلماتنا فقد تكون كالرصاص تقتل أحدهم وتجرح آخر، فلا يجب أن نساهم في خلق بيئة فاسدة مظلمة لأحدهم ثم نؤدي دور القاضي ونطلق عليه حكما بالمجرم، علينا أن نواجه حقيقة أننا مجرمون أيضا عندما قدنا أحدهم إلى الجنون، إلى الوحدة والاضطراب.

لا أبرر العنف أبدا لكنني أستنكر كل ما يقود إليه، ففي كل واحد منا نصفان الأول خير والثاني شر وجل ما أود قوله أن علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أيُّ جانب نغذّي أكثر؟ الخير أم الشر؟



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كتير حلو الفيلم وتحليلك جميل، حطيتي ايدك عالوجع..
وأنا فعلاً حسيت فيه وزي ما قلتِ هو لمس الآلام اللي بداخل كل حدا فينا وعبر عنها بالوقت اللي إحنا بكامل صحتنا العقلية والجسدية ومش عارفين نعبر عن آلامنا..
مقال جميل سارة ❤️

إقرأ المزيد من تدوينات سارة قاروط

تدوينات ذات صلة