أثرُ الطفولة لا تمحيه الأيام مهما طالتْ، ولا تسلو عنه الذاكرة أبداً.
أذكُرُ من أيّامِ صِبايَ، أنِّي ذاتَ يومٍ قررْتُ أن أتعلمَ ركوبَ الدراجة الهوائية، وكنتُ حينهاَ في زيارةٍ عند جدّتِي لِأمِّي أطال الله عمرها، أصرِفُ الوقتَ في الضحِكِ واللّعبِ ريثما يحل المساءُ لأعود إلى المنزل.
في لحظةٍ من الزَّمنِ، لمحتُ الدراجةَ متكئة على جذع شجرةِ اللّوزِ - على ما أتذكر - وهي حينها مِلكٌ لخالِي ( أقصدُ الدَّراجة)، وكنتُ حينها أبلغ ما يقاربُ الإحدى عشرة عاماً أو ما يقِلّ، وتلكَ المقصودةُ يزيدُ طولهَا عن طولي أضعافاً.. وبحماسِ الأطفال، ناديتُ على جدَّتي لتكونَ شاهدةً على زالعمل البُطولي الذي سأقومُ به، في البدايةِ حذّرتنِي أن أفعلَ ما أنا مُقدِمةٌ عليه، ولكننِي أقنعتها بطريقةٍ ما ( غابت عن بالي الآن)، ركِبتُ الدراجةَ بكلِّ ثقة تكادُ تكون عمياء، جَرَّبتُ بدايةً أن أطوفَ حول المنزل، ولمْ أكملْ دورةً كاملةً حتَّى فقدتُ توازنِي، وحدثَ ما لم يكنْ في الحُسبانِ، سقطْتُ على الأرضِ بكُلِّ قوّة، ولكن ما همَّتني قوةُ الصدمةِ بقدرِ ما همَّنِي أنَّ جدتي لم ترني وأنا أهوي بكامل جسدي على الترابِ، حمدتُ اللّٰه ونهضتُ مجدّداً بكُلّ عزمٍ أن أعيد المحاولةَ ثانيةً.. ، ولكنّها كانتْ مثلَ سابقتِها في الفشلْ، غير أنّها كانت أمام جدّتي، فقدْ توجهتِ الدراجةُ بكلِّ وقاحة نحو جذع اللوزِ الذي أخذتها من حذائِه، سقطَتْ وجَّرَّتني معها بكلِّ قسوةٍ، فتمنيتُ لو تهضمنِي الأرضُ من أن ترانِي جدَّتِي في ذلكَ المنظَرِ المحرج، لكِنَّها ضَحِكَتْ كثيراً لأنِّي حملْتُ نفسي بسرعةٍ عن وجهِ الأرضِ، ( وأحسبُ أن مظهري كان مضحكا حينها).. وأذكرُ أنِّني رغم ذلكَ كررتُ الأمرَ مراتٍ عديدةٍ حتّى يئستُ بشكلٍ كاملٍ، فلمْ أعُد بعدها ثانيةً لركوبِ الدراجة إلى يومِنا هذا، إذ ما زالتْ عُقدتُها تدورُ في مخَيِّلتِي..
ولكن، لعلَّنِي ذاتَ يوم أعيدها ثانيةً أمام جدتِي وأنا في العشرينات من عمرِي.
سلسبيل بنعلوش 🕊️🤍
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
مبدعة دائما ❤️