طفل واحد أو أكثر، توزيع للجهود وتنويع تحصيل المعرفة والنظام الاجتماعي أم تكريس
دائما ما تراودني فكرة "كل طفل يحق له ان يكون الطفل الاول" لكن هل هذا منطقي؟!
في الحقيقة اني تعلمت الكثير بعد أمومتي، ولم تكن سنوات الجامعة والعمل في مجال التأهيل كافية لكي اتعلم عن دماغ الانسان وخواصه ومعجزات رحمة الله فيه. بدأت أتعلم كل شيء مع طفلتي الاولى، واطبق اولا باول، ما تخصصت به في الجامعة وما أقرأه في العلوم التربوية والتعليمية، واخوض لذة التجارب معها، ثم حضور أخ أصغر لها، تجربة اكثر اثراءا ونقطة التحول التي ظننتها في البداية ستجعل مني شخصا سيء، ظننت انني لن استطيع احتواء طفلين في ان واحد وسأخلق نوعا من الظلم ، وبقيت تتردد في ذهني الاية القرانية المتعلقة بزواج الرجل باكثر من انثى "ولن تعدلوا" وكنت فعلا اشعر ان لا عدل في كون احد الطفلين سيكون التركيز معه اكبر من الاخر، او ان التركيز والاهتمام سيتوزع على اخر اكثر من الاول في كل مرحلة. حسنا، تتساءلون اليوم بعد ثلاث سنوات، ما الفارق الذي ظهر وجعلني اكتب لكم هذه التجربة العظيمة، كونوا معي حتى نهاية المقال، سأخبركم .
الحكم المسبق يوقف الرؤية ويُعمل الفوضى اسراء حموري
السنة الاولى في حياتنا مع طفل رضيع واخر دارج كانت تحمل كل المعاني المختلطة، منها الحب والسعادة واخرى ملأى بالخوف الشديد والقلق كون طفلي الرضيع شغوف بكل ما يثير قلقي من اماكن مرتفعة وكهرباء وزجاجيات، تقريبا كنت اخشى ان اتركه طرفة عين او ان اذهب في زيارة لاحد؛ وهكذا بقينا في عامه الاول وجزء من العام الثاني، وشعرت بحجم الاية في حياتي بسبب كل هذا الخوف الذي حول كل المواقف الى قلق وغضب، ثم بدأت أشعر اني افقد عقلي، او جزئيات منه، ذاكرتي، وقدراتي العقلية والتنفيذية، قررت أن أكتب، كان لدي هاجس كبير يوحي لي أني سأفقد ذاكرتي وكل ما اعلم، كتبت الكثير الكثير من أفكاري وتأملاتي وبدأت تظهر معي افكار جديدة ويستعيد دماغي جزئيات ضائعة، بدأت اضنع كتابا مما يحدثني به قلبي وعقلي وتأملاتي، اكتب على برنامج مايكروسوفت تارة وتارة اخرى على ملاحظات هاتفي ثم على وتس اب واحيانا كنت اسجل افكاري صوتيا، ارسلها واحيانا لا افعل، ثم توقفت فترة وتابعت بعد سفر طويل وعودة، ثم بدأت احدث اللاحد على قناتي على اليوتيوب، شعور الامان الذي كان يدقعني لافتح بثا مباشرا بشاشة سوداء وابدأ السرد للا أحد، حتى بعثت ذات مرة التسجيل الي مجموعة من الاشخاص المقربين ولاقى التسجيل منهم استحسانا كبيرا، أعتقد انها كانت لحظة فارقة، تابعت بعدها فعل ذات الامر؛ بث مباشر للا أحد وبدأ يصبح هناك مشاهدات ولو كانت قليلة ومتابعة من افراد العائلة والاصدقاء، ثم مرحلة انتقالية جديدة جعلت حياتنا تأخذ منحىً اخر تماما؛ هيأت بيتي بأدوات وكتب ومحطات وبدأنا رحلة تعليم منزلي منظم، وهنا كنت فقط مكتفية بكتابة الافكار وأخذ الكثير من الصور والفيديو وتخزينها وايضا ممارسة التعليم بصمت امام اطفالي لابني في داخلهم اسس التعليم الذاتي والتي رأيت نتائجها بافعالهم لاحقا، كنت اراقب نفسي واطفالي ورحلتنا، طفلتي ذات السنوات الثلاث والنصف الا قليلا وطفلي ذو السنة والنصف الا قليلا وانا وزوجي الذي لم يكن في بداية الامر داعما بكلية الامر حتى اصبح الجمال جزءا من نظام حياتنا واثاره واضحة بفضل الله
لا تحكم على معرفة قبل ان تغرف منها تجارب شخصية -اسراء حموري-
ماذا فعل بنا نظام التعليم المنزلي المرن؟
حسنا بدأت اسرد لكم التحولات كلها التي اوصلتنا الى الروتبن والتناغم الذي نملكه اليوم في مساحتنا التعليمية، نعم الكتابة والمعرفة، العزلة والتجربة، لم اكن على اتصال كبير بالعالم الخارجي، جميع النوافذ الالكترونية تم استبعادها الا انستغرام ولم اكن انشر شيئا من مساحتنا حتى العام الثاني وكنت اتابع بعض الحسابات التي تعطيني دعما معرفيا واخر نفسي واجتماعي لان كل رحلة في بدايتها تحتاج عونا من الله ثم تعاون عباده
العام الاول كان افضل عام مر علينا، بجمال خصائصه وخصوصيته وتوترات انتقالنا الى هذا التناغم، باكتنازنا المعرفي وعلاقتنا الوطيدة التي بنيت ببطء على نهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بيت مليء بالحب، جداول مرنة، وقت الشاي والاحاديث ووقت القراءة الجهرية، اعلم ان من يقرأني الان قد يظن اني ابالغ او اني تعجلت - حسب اعمار اطفالي- لكني أؤكد لكم اني ما كنت لابدل تلك الايام باي شيء اخر ابدا، انه النعيم الذي بدأ واستمر أثره وقيمته حتى اليوم، واستمر بحد ذاته وتطور
ليس فقط في القراءة وانما ايضا بالاهتمام و العناية بالبيئة والتنبوء بالطقس ومراحل نمو النبات والانسان ومراحل القمر الفصول واثارهم معانيهم، المناقشات الحرة التي تفتح افاق الاطفال، والعاب الخيال التي توسع المدارك، نعم وأكثر من هذا بكثير، ولم أكن متوقفة عند كون طفليّ الغاليين يتعلمان منزليا فقط وانما بنشر بهجة هذا المفهوم في كل شيء ولم نعد نسميه تعليما منزليا بل مساحة التعليم وادوات التعليم وتعليمنا المستمر وتعليمنا بالغمر والانغماس، نعم لقد عشنا داخل الجمال ونشرناه الى الاطفال والكبار من حولنا، خلال جولاتنا وسفرنا وخلال رحلاتنا الميدانية ورحلات المكتبة والحدائق وزيارات الاقارب والاصدقاء،
من المهم بالنسبة لي ان اوضح ان طرح المواضيع وطرق النقاش والحوار العادل بين الطرفين اساسي جدا في هذه الرحلة، فالتعليم المنزلي قائم على بناء علاقة صحية بين افراد العائلة وبين الافراد والمعرفة
البيئة الاجتماعية الاولى التي يحتك بها الطفل هي العائلة، الام اولا ثم الاب والاخوة، وهنا بدأت تتلاشي "ولن تعدلوا" لاننا لا يمكن ان نكن انانيون في الطرح وحرمان الطفل من صديق صدوق ملازم له كأخيه او أخته يعلمه ويتعلم منه، البيئة الاجتماعية في البيت وبنيتها اهم بكثير من زخم المعلومات التي ننقلها لطفل واحد، الخروج عن تفكير كهذا كان لا بد ان يصطحب معه الخروج عن فكرة المنافسة العالمية بين الافراد والنظر بفرح وطمأنينة الى خصوصية الفرد وتميزه والرسالة التي اختارها الله له ، لنسهل له التجهز لها دون ان ينشغل عنها بمنافسة بعيدة كل البعد عن الهدف الاسمى لوجودنا على كوكب الارض
ودعوني أؤكد ان هذا العام مختلف على جميع المتعلمين، سواء منزليا او مدرسي وجاهي او عن بعد او المتعلمين مدرسيا الذين قرروا الانتقال للتعليم المنزلي في دولة كانت سواء كان التعليم المنزلي مسموح او ممنوع او مسكوت عنه كمعظم الدول العربية وبما اني ذكرت هذه المعلومة المهمة هنا، فحري بي ان اذكر ايضا ان واجبي كولي امر وكمواطن او مقيم ان اساهم في رفعة المكان الذي اعيش وافراد عائلتي فيه فاني كثيرا ما تواصلت مع جهات مختلفة سلطوية مختصة لاطرح موضوع اعادة صياغة قانون التعليم المنزلي ليشمل جميع المواطنين والمقيمين بظروفهم المختلفة وليس فقط الخاصة كخيار ضمن قانون الزامية التعليم في الاردن، وهذا ايضا جزء من التعليم المنزلي، ان المواطن له حقوق وعليه واجبات وهو جزء كبير ومهم في سلطة التشريع القانوني، لا نريد فقط ان نتعلم الفيزياء وعلم الفضاء ومن يحفظ النجوم والكواكب والجدول الدوري اولا ولا من يحل المعادلات الصعبة او يقرأ عددا هائلا من الكتب في عام واحد، هناك ما هو بنفس الدرجة من الاهمية وهو ان يعتاد الفرد منذ نعومة أظفاره انه جزء من كيان الدولة التي يسكنها ولها عليه حق الحفاظ عليها والنهضة بها بصلاحه وامره بالمعروف ونهيه عن المنكر، نعم نهيه عن المنكر وصلاح نفسه وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، السلام النفسي وتقويم الذات، وتوحيد الاله، كلها تصب في صلاح النفس الحرة، نعم حرة.
القوانين الواضحة لمساحة التعليم المنزلي في بيتنا؛ الممنوع نوعان حرام شرعا او خطر على النفس او الغير والحدود الشخصية لكل فرد وهذا موضوع لتدوينة اخرى
لا يمكن ابدا ان نقيم علما نافعا في النفوس دون تهذيبها بالحدود الواضحة والاخلاقيات اسراء حموري
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات