أَين أنتِ؟

من أنا، أين أنا من هذا الكون وما فيه، من عوالمه وسمائه، وكل تفاصيله !

أَين أنتِ؟

_ حَمقَاءُ، إنْ أخْبرتكَ أنّ بِاستِطاعتِك إيجَادِي فوقَ أخشَابِ المَسارِح، خلْف ستائِرها، أو تحت برِيقِ أضْواءِها ..

أنا هُنا، حيثُ الأماني المُزهِرة والأصواتِ الهادِئة والمظاهِر النّبيلة، الوردِ والرّبيعِ المُتفتّح، وكلّ التّفاصيلِ الجَميلة..

ابْحثْ عنّي فِي أرْوِقة المكاتِب الضيّقة الصّغيرة، ستَجدُني أستقِي رائحة كُتبِها ذاتِ الأوراقِ الصّفراء العتِيقة، أتصفّحها وأنتَقِي مِنها ما يَروِي ظمأَ القِراءة السّرمدِي لدَي، عالقةٌ في معانِي كلماتِها، لا في ظواهِرها .

بيْن أوْراقِ الدّفاتِر، وأحْبارِ الأَقلَام أَخُطّ كِتابَاتِي، لا أكْتبُ عَن الحُب إِطلاقًا، بَل أَفتَح أَوراقِي أتَقيّأ عليْها مَا بِداخِلي مِن لوْعَة، وأُسطّر مِن لوْعاتِي قِصصَ حُبٍّ تخلُو مِن الحُبّ الحَقيقِي تمَامًا .

بَينَ جنباتِ الشّوارِع الضيّقة ذاتِ الأمتَار المَعدودة، والأسواقِ المُكتظّة بِالتّفاصيلِ العبثيّة، والأماكِن المُزدحمةِ بِالفَراغِ لا البَشر .

بَين ثنايا السّماء، تكتحِل عينايَ بِزُرقَتها، يخيّل إليّ أننِي سحابةٌ بَيضاءَ تأْملُ أنْ تُسيّرها الرّياحُ فِي اتّجاهٍ واحدٍ دونَ أنْ تُبعثِر زَغبَها الأَبيَض .

بيْن نوتَاتِ المُوسِيقَى الهادِئة، مُوسِيقى اللّاصخَب، ذاتِ الكلِماتِ الموزونةِ بِخفّة، إلّا أنّها ورُغم هدوئِها تُحرّكني، تهزّنِي وما بِداخِلي حتى تُعيد لِلرّوح فَوضاهَا .

بيْن وجُوه الأَطفالِ الضاحِكين، تحتَضنُ أيدِيهم قِطعًا من شُوكولَاتة، أَو أعوَاد آيْس كريم أو حَلوى السّكاكر .

بيْن جُموعِ السّاعِين الحالِمينَ دَومًا، المُستَمسِكين بِأحلامِهم، رُغم ضَآلَةِ احتماليّة تَحقِيقهَا.

أنَا حيثُ البَحر، يسْتقبِلُ كل شَكوايَ بِجوفٍ رحْب، دون أنْ يشكُ الملَل، أو الفُتور.

أنا حيثُ التأملات أكثر من أيّ شيءٍ آخر، الملامِحُ الهادِئة، التّفاصيل الغرِيبة والبسِيطة في آنٍ واحدٍ .

أنا حيثُما النّور، فإِنّي بهِ دومًا شغُوفٌ شغُوف ..