تلك المشاعر التي تُطبق على الإنسان كصقر ينقض على فريستهِ التي اصطادها بعد عناء! تحاول الفكاك منه ولكن لا محالة فهي ضعيفة كالعصفور الجريح.



لم تكن تلك المرة الأولى التي تفوح منها رائحة القهوة الساخنة، أمسكت الفنجان بيديّ الباردتين، أشتم رائحة القهوة الزكيـة التي تتسلل رغماً عني إلى أقصى جيوبي الأنفية، أنظر إلى البخار المتصاعد منها في هدوء، الذي ينتهي رويداً رويداً بتغير درجة حرارة القهوة، وما يلبث أن يختفي تماماً.


لكن تلك الذكريات العالقة في الذهن لم تنتهي باختفائه، لا زالت محفورة في أجزاء ذاكرتي البعيدة جداً، لا أستطيع أن أنساها، حاولت أن أتناساها، لكن لا فائدة، فهي كرائحة القهوة تُجبرك على اشتمامها ولو كنت على بُعد أميالٍ.



كل خطوة خطوتها، كلّ موقفٍ تصرفتُ فيه بشجاعة أو بسذاجة، كل لعبةٍ لعبتها مع أقراني في الشارع، كل موقف وبخني فيه الأستاذ لأني أهملت الواجب وأذهب إلى أمي باكياً، كل صباحٍ أذهب إلى مدرستي نشيطاً مبتهجاً، كل أفكاري التي أفكر بها قبل النوم ولا أنفذها غالباً لأنني أنساها، كلها تمرّ علي كفيلم سينمائي، تمر أمامي بسرعة البرق لا أستطيع التمعّن فيها، لكنني أشعرُ بكل موقفٍ تماماً وكأنه يحدث لي في مرته الأولى!


نظرةٌ إلى السماء الصافية كفيلة بأن تجعلني أرجع إلى الواقع، لا أعلم هل هو مُرّ، أم أنني أُبالغ في الأمر، أم هل هي مرارةُ القهوة التي تنتهي بقطعة الحلوى التي تهدّئ من تلك المرارة اللذيذة؟


أجل لذيذة! بالرغم من طعمها اللا مُستساغ لدى البعض، نظرتُ إلى الحلوى بين يديّ ساهماً: أيُعقل أن يكون بعد الانتظار فرح وبهجة؟! وبعد الحرمان لُقيا وسعادة؟ وبعد الصّبر فرجٌ طويل؟ متى وأين؟!


لم يُخرجني من تلك الأفكار التي تتملّكُني إلا صوت مكبر الصوت: على السادة المسافرين التوجّه إلى بوابة الصعود للطائرة، بوابة رقم.......


حملت حقيبتي وتوجهت إلى وجهتي...المجهولة!

لا تحاول أن تأخذ شجرتك معك إلى الغربة لتحظى بظلّها لأن الأشجار لا تهاجر -غادة السمان



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل جدا أحسست بالدفء والبرودة في آن واحد ♥️

إقرأ المزيد من تدوينات صفية أبو الفتح

تدوينات ذات صلة