لا خيرَ في حَرفٍ وحُبٍّ لا يُسمن ولا يُغني من جوعٍ.

يقول الرافعي" إن النفس قد تجوع وتأكل من جوعها، إذ تخلق بإرادتها من الجوع أكلاً فتشبع شبعًا معنويًا يلائمها كما جاعت ذلك الجوع الذي يلائمها، إلا في الحب، فإن جوع النفس العاشقة يقتلها قتلًا إذ لا غذاء لها من شيء في الوجود كله إلا من تحب"


ولكن ماذا لو كانت نفسًا مُحِبَّة تتوقُ للحبّ لكنها ليست عاشقة، تهوى الحُب لكنها لم تهوِ فيه، فإن جوعها هُنا يكون مُتمثّلًا في الشعور لا في شخصٍ بعينه لتدعوه المحبوب..


تجد هؤلاء يقتاتون على الحُب في شكل الحرف وعلى الحرف في شكل الحُب، شعرًا كان أو نثرًا، مكتوبًا أو مقروءًا، يحاولون سد هذا الجوع به، وتجد الواحد منهم يُفرحه حرفٌ ويُزعجه آخر، يتأثّر به كأنه هو المَعنيُّ به والمُعنّى منه..


فتجد الكلمة إذا نزلت على روضةٍ من رياض القلب اخضرّت وَرَبَتْ، وأصبح يتغنّى بالحُب ويتمنّاهُ، وإذا نزلت على بركانِ أحزانٍ خامدٍ تأجّجت وثارت نيرانه، وهيّجت حمم الأحزان وأتت على الأخضر واليابس وكرِه الحُب -وقتها- ولعنَهُ.


فنجدُ الواحد منهم يعيش بالكلمة ويموت بها، ويشبع بالكلمة، ويجوع بها، فإن جاعوا قرأوا وإن شبعوا كتبوا.


تجدهم وإن كانوا جوعى للحُبِّ والحرف كلاهما متمثّلان في بعضهما البعض،

فإنهم في تخيُّرهم للحرفِ يتجنّبون ما فيه ركاكةٍ ويتخيّرون ما فيه أناقة، يتركون ما كان أعجميًّا وعاميًا، وينتقون ما كان فصيحًا بليغًا، يكون وقعهُ على قلوبهم قبل أن تُدركه عقولهم، يتنغّم بآذانهم، ويترنّم على ألسنتهم فيصيبهم في مقتلٍ مُتمّمينه بـ آهٍ! ولا يسعهم سوى مُرافقته والاقتيات عليه في مسيرهم.


وهذا يُشابه تخيّرهم في الحُب، فلا يرضى الواحد منهم بما خَبُث أصلهُ، وفَسَد نبتهُ، ويتلمّس ما عُفَّت سرائِرهُ، ونَفُسَت قيمتهُ، وقَرَّ بقلبه، ووقَرَت به نفسه، وكان مُتنفّسهُ الذي يلجأ إليه، وسِرّه الذي لا يبوح به، وبوحهُ الذي يَسِرُّ به إليه، وعصاهُ التي يتوكّأ عليها مهما شَقَّ وطال الطريق، وزادهُ الذي يقتات عليه.


ويظل الواحد منا في دوامة الجوع والشبع المعنوي هذه حتى يأتيه محبوبه فيفيق من دوامته نتيجة ارتطامه به، كما الشَطّ يوقف الدوّامة، فيكون شط النجاة لك.


ولا خيرَ في حَرفٍ وحُبٍّ لا يُسمن ولا يُغني من جوع.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إن جاعوا قرأوا وأن شبعوا كتبوا ..
ربا الرائعة أبدعتِ 💚

إقرأ المزيد من تدوينات رُبا أمين القريناوي

تدوينات ذات صلة