لم يعد بداخلنا مُتسعٌ لمزيدٍ من الأشخاص الخطأ، حتى أنه إذا أتى الشخصُ الصحيح لن يجد فسحةً له.

مرحبًا.. كان من المُفترض أن أُعجّل بكتابة هذه الرسالة لتلحق بأختيها، لكن وجدتني أركن إلى الحُزنِ وأكتفي بالصمت.. كم يُصبح المرء متكاسلًا وصموتًا في حُزنه!

يخلو من كل مظهرِ جمالٍ حتى من الكلمات حتى لكأنّ كل شيء في مُخيلتي كان شديد التجهُّم أمامي..

وعدتُ نفسي ألّا أذكُر الحُزنَ في رسائلي إليك، وها أنا أفعل، لكن ما حيلة المحزون أمام حُزنه!..

وبرغم هذا الحزن المُصمِت وجدتُ شيئًا فيّ يستفزني للكتابة إليك، قد تكون شِكاية -رُبّما- أو محضُ ثرثرةٍ ضاقت بها نفسي..


لم يعد بداخلنا مُتسعٌ لمزيدٍ من الأشخاص الخطأ، حتى أنه إذا أتى الشخصُ الصحيح لن يجد فسحةً له.. سيجدُ نفسًا مُهترئة، روحًا شاحبة، وصمتًا دائمًا..تُشبه الديار الخالية، وأطلال الشُّعراءِ التي يبكونها وقوفًا في أشعارهم!


سيجدُ قلبًا جَدِبَ من كَثرة عابريه، يقطِفون زهرتهُ بلا إرواءٍ ويرحلون.. سيجدُ آثارَ نَماءٍ جَدِب، وعمارٍ خَرِب، وفَرَحٍ حَزِن، وصَخَبٍ هَدَأ، وضَحِكٍ عَبَس، وحُبٍّ عَفا عليه الزمن حتى نَسيَ أنهُ حُب، ونُسيَ!


سيجدُ عجوزًا واقفة تبكي على الأطلال الدارِسة، حتى إذا سألها من أنتِ؟ قالت: أنا السعادة، أبكي أطلال روحٍ تمنيتُ سُكنها حتى إذا فشا فيها الحُزنُ وترعرع وشِبتُ أنا!.. أبكي أطلال نفسٍ وروحٍ وجسد ذَهَبَت فِداءً للحزن.


ستقفُ تبكيها ويبكيها، ولا يُرجع بُكاءٌ فائتًا..

سيكون الشخص الصحيح، لكنه وافقَ زمانًا خاطئًا.

منذ فترة بعيدة صادَفَتني كلمةٌ مُميّزةٌ ولطيفةٌ في معناها، وأنا من ذاك النوع الذي تستهويه الكلمات ومعانيها وأظلُّ أُرددها إعجابًا بها.. "فَرقَد" يا له من لفظٍ بديع! أشعر أني أنتمي إليه.. ولمّا عرفتُ أنهما اثنان فقط، أي: فَرقدان، وأن أحدهما يتبع الآخر حُبًا -رُبّما- أو اقتداءً بصاحبِه؛ قَفَزَت إلى خيالي عدّة تساؤلاتٍ عن ماهيّة أحدهما للآخر.. تُراه كان يخشى أن يبقى وحيدًا فاتخذهُ أنيسًا وخليلًا؟ أم كان يخشى ليلًا يَضِلّ في ظُلمَتِهِ فاتخذه دليلًا وصاحبًا واتّبَع خطاه وسيره؟ أم كعادةِ النجوم لا تظهر فُرادى فاتفقا ألا يفترقا؟

كل الاحتمالات وارِدة في الرفقة، ولا يوجد ما يُبرر الفراق.

نفدت مني الكلمات.. أعتقد هذه نهاية الرسالة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رُبا أمين القريناوي

تدوينات ذات صلة