اختلف دارسو الأدب في طريقة تقسيم الأدب العربي، وقد هيمن التقسيم السياسي على الأدب، وانقسم الباحثون بين مؤيدين ومعارضين له.
أولًا: طرائق تقسيم دراسة الأدب العربي:
غلب على الدراسات الأدبية نظريات تتحكم فيها وتوجهها إلى طرائق محددة، يبدأ حديثنا من الأسئلة التي أثارها الدكتور شكري فيصل في كتابه "مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي عرض ونقد واقتراح": كيف نفرق بين العصر الأموي والعصر العباسي؟ كيف نقسم العصور العباسية؟ هل تتمشى الخصائص الفنية مع الأحداث الزمنية؟ أهى تابعة لها أم متقدمة عليها؟ أهى مستقبلة لأثرها أم مؤثرة فيها؟ كيف نستطيع أن نطلق هذه المجموعة من الخصائص في العصر الجاهلي أو العصر العباسي مثلا على الشعراء والكتاب على حين تتوزعهم خصائص كثيرة وتقاسمهم مذاهب ومدارس مختلفة؟ أليس هناك من علائق أخرى غير صلة الأدب بالسياسة؟ أو ليس الأدب ثمرة معقدة لا تستطيع الأحداث الزمنية وحدها أن تفسره وأن تدل عليه؟
فالأدب ودراسته وفاق التقسيمات التي يتداخل فيها التاريخ والأدب والسياسة تداخلًا غريبًا.
وتوجد نظريات أخرى لتقسيم الأدب العربي ودراسته، وهى: النظرية المدرسية، نظرية الفنون الأدبية، نظرية الجنس (الشعوب المختلفة التي تحدثت العربية)، نظرية الثقافات، نظرية المذاهب الفنية، النظرية الإقليمية. ولكل هذه النظريات مؤيدون ومعارضون، ومرت بأطوار عدة، وهناك من حاول ابتكار منهج جديد للدراسة الأدبية يتفادى عيوب النظريات السابقة مثل: المنهج الجديد الذي دعا إليه الدكتور شكري فيصل في كتابه السابق ذكره. وهنا نتحدث عن النظرية السياسية المهيمنة على تقسيم الأدب ودراسته.
ثانيًا: هيمنة التقسيم السياسي على الأدب العربي:
فالنظرية المهيمنة على الدراسات الأدبية، هى: التي تقسم الأدب العربي تقسيم متطابق مع العصور السياسية، فلا يخلو أي كتاب أو دراسة من هذا التقسيم سواء في الكتب الدراسية أو الرسائل العلمية، حيث حرص دارسو الأدب عبر الزمان على تتبع الأدب العربي تتبعًا تاريخيًا في رحلته الطويلة وربطوه بالأحداث الزمنية، وليس لأنها احتلت منهج الدراسة الأدبية حتى الآن أنها صحيحة تمامًا أو خاطئة تمامًا، ومن ثم أعرضُ في هذا المقال آراء النقاد ووجهة نظري حول التقسيمة السياسية للأدب العربي ودراسته.
فقد درج مؤرخو الأدب العربي على تقسيم العصور الأدبية تقسيمًا يتسق مع تطور التاريخ السياسي، لما بين تاريخ الأدب وتاريخ السياسة من تأثير متبادل. ولكن هذا التقسيم لا يعني أن الظواهر الأدبية تتفق مع العصور التاريخية اتفاقًا تامًا ،وذلك أن الظواهر الأدبية تتداخل قليلًا أو كثيرًا في العصور التاريخية. وأكثر من أرخو للأدب العربي وزعوا حديثهم عنه على خمسة عصور أساسية، ولعل أستاذنا الدكتور شوقي ضيف هو رائد هذا التقسيم الخماسي للعصور.
ثالثا: وجهة نظر في التقسيم السياسي للأدب:
يتميز كل شاعر أو أديب بسمات أدبية خاصة به، فلا يمكن تعليب الأدباء وفق نموذج العصر المنتمين له، وإن كانت ظروف العصر بشكل عام لها تأثير على نمطية الكتابة، كتقسيم القصيدة في العصر الجاهلي مثلًا، والخروج عن هذا التقسيم مع المجددين في العصر العباسي... وما شابه ذلك.
تخيلوا معي: اليوم نحن نقف في سوق عُكاظ في العصر الجاهلي نستمع إلى هذا الشاعر الذي يبكي على الأطلال، ويتغزل في حبيبته، ويصف رحلته الشاقة إلى هذا السوق، ويتحدث إلى الصاحبين اللذين وقفا وبكيا وشكيا معه، اليوم التالي رفرفت راية الإسلام وها هو كعب بن زهير يمدح رسول الله في قصيدة بدأها بالغزل ووصف الرحلة ووصف الناقة، اليوم الثالث نعيش في أحد أيام الدولة الأموية نستمع إلى جرير والفرزدق يهجوان بعضهما.
تعاقبت الأيام، وتعاقبت الأنظمة السياسية كذلك، هل تغير الأدب تغيرًا جذريًا بين ليلة وضحاها بتغير النظام السياسي؟ بالطبع لا، مستحيل أن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها وإن تميز كل عصر بسمات فنية محددة إلا أنها تبلورت بالتدريج بمرور الوقت في كل عصر سياسي.
هذا هو المأخذ على هذا التقسيم السياسي للأدب العربي، فكما يُقدم في النظرية المدرسية ورسخ في الأذهان أن كل عصر مستقل له شكل مختلف وسمات فنية مختلفة، ويدرس الطلاب كل شاعر على حدى، منعزلًا عن بيئته وعصره وتأثير العصور السابقة في أدبه. ومن ثم يكون هذا التقسيم السياسي للأدب العربي ليس تقسيمًا دقيقًا بل خطأ علميًا فظيعًا، لكن من وجهة نظري لابد من حدود تبلور ما نريد إدراكه ودراسته، سواء كان أدبًا أو غيره من مجالات الدراسة أو الإدراك عمومًا، أي: أقول أن التواريخ السياسية ليست إلا مساعدة لإدراك الأدب وسهولة التحدث حوله، فنستخدمها دون أن تكون حدًا قاطعًا أو جدارًا عازلًا يفصل بين عصرين تمامًا كما تفصل السكين الرأس عن الجسد.
رابعا: دعوة للتجديد (التقسيم السياسي وحدة قياس):
لا توجد طريقة صائبة مطلقًا أو خاطئة مطلقًا، بل تتداخل الأفكار والنظريات للوصول لأفضل منهج للدراسة، فمثلا: إذا اتخذنا التقسيم السياسي كوحدة تقريبية لتحديد الأدب العربي، فإذا قلنا: العصر الجاهلي نقصد بداية الأدب، وأنه لا يوجد صدى لأي شيء إسلامي لعدم ظهور الإسلام بعد، مع بقاء خصائص الأدب الجاهلي مستمرة الظهور في عصر صدر الإسلام، بل ويمكن أن تمتد إلى العصور التالية، وبل وقد نعارضها الآن في قصائد مثلا على غرار شعراء الجاهلية.
ومن ثم لا ندرس شاعر أو قصيدة بمعزل عن البيئة، والعصر، وحياة الشاعر، والنظام السياسي، والحياة الاجتماعية، وأصداء العصور السابقة... وهكذا. وتكون الدراسة فنية جمالية بحيث يجيب الدارس على سؤال كيف ترجم الشاعر مشاعره وأفكاره بشكل لغوي فني متأثرا ببيئته وبحياة الأدب السابقة عليه كلها؟
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
شكرا جزيلا
ارجوك اريد جوابا لسؤالي، وهو، ما المناهج المعتمدة في التاريخ للادب عند بروكلمان، شوقي ضيف، حنا الفاخوري، طه حسين ؟