مغالطة التكلفة الغارقة: كيف تقودنا الخسائر إلى خسائر أكبر

بيوم من الأيام قررتَ مشاهدة فيلم في السينما، دفعت ثمن التذاكر ودخلتَ وحينما بلغ الفيلم المنتصف اكتشفتَ أنه لا يعجبك، هل تستمر بمشاهدته أم تخرج من القاعة!؟


تبدو الإجابة هيَّنةً سواء كانت الاستمرار بالمشاهدة أو التوقف، ماذا لو كان السؤال عن تخصصك الجامعي الذي اكتشفت بعد سنتين أنَّك لم تجد نفسك به، هل ستكمل دراسته أم تبدِّله! ؟

ماذا لو كانت علاقةً عاطفيةً بذلت الكثير لأجلها وبعد مدَّةٍ لا يستهان بها اكتشفتَ أنَّها غير مناسبة لك! هل تواصل أم تتوقف!


يروي الأدب الروسي قصَّةً رمزيَّةً عن رجلٍ كان يقطع الطريق ذاته من منزله إلى عمله طوال عشرين عامًا حتى صادفه الشيطان ذات يوم بهيئة رجل وقال له: دعني أدلُّك على طريق أقصر تصل به إلى البيت بنصف الوقت، فقط اتبعني.

رفض الرجل بالبداية لأنَّه طوال العشرين عامًا كان يعتقد أنَّ هذه أقصر طريق لمنزله، لكن أمام إغواء الشيطان قرر السير معه، سارا معًا وبعد مضي نصف الوقت سأل الرجل: مضى نصف الوقت ولم نصل بعد، فردّ عليه: ما زال لدينا القليل.

وهكذا إلى أن مضى الوقت الذي يحتاجه بالطريق القديمة للوصول لمنزله ورغم ذلك لم يصل بعد، فأعاد السؤال وأعاد الشيطان نفس الإجابة.

واصلا السير حتى مضى ضعفا الوقت دون وصول، تأفف الرجل كثيراً وشعر بالمقت لكنَّ الشيطان أغواه بأنّه لم يمضِ على مسيرهما إلا وقتٌ يسيرٌ، و استمرا وحينما مضت أربعة أضعاف الوقت ولم يصلا بعد وهنا كانت المفاجأة لم يقل الرجل شيئًا بل واصل المسير دون كلامٍ.


لماذا لم يتوقف الرجل بعد قطعه أربعة أضعاف الوقت، ولم يسأل حتى؟!

لأنَّه غرق بالتكلفة لم يعد الكلام له معنًى فقط كلَّ ما أراده هو الوصول، قطع مسافةً طويلةً وبذل جهداً كبيرًا رأى أنَّه بهذه التكلفة لابدَّ أن يصل بالنهاية، لكن متى كان استمرار السير موجبًا للوصول!


غدا الرجلُ بأرضٍ ليست أرضه ولم يعد يعرف أين هو ولا كيف يعود، كلُّ ذلك لأنَّه أغرق نفسه بخسائر متراكمة وتحامل على نفسه التوقف والعودة قبل قطع المسافة الطويلة التي أغواه بها الشيطان.


وهذا ما يعرف بـ "مغالطة التكلفة الغارقة"

حينما تكتشف أنَّك تسير بالطريق الخطأ لكنَّك تستمر بالسير حتى لا تخسر جهدك الذي بذلته، أو تكتشف أنَّ استثمارك في مشروع ما كان فاشلاً لكنَّك تستمر به حتى لا تخسر التكاليف التي دفعتها، رغم أنَّ دفعك للمزيد من التكاليف لا يعني نجاح استثمارك بالنهاية!


نحن مثقلون بالتكلفة في جميع مناحي الحياة، لا تجد انسانًا لا يتحمل لو تكلفةً واحدةً على الأقل، يخشى التوقف لأنَّه بذل الكثير في سبيلها، وهكذا ما نزال ندفع وندفع سواء كان مالًا أو وقتًا أو جهدًا أو حبًّا ولا نحظى سوى بالخسائر.


يقول المثل الإنجليزي:" لا تهدر المزيد من الأموال كي تعوِّض خسائرك الفائتة"


اشترى أحد أقاربي سيارةً حمراء فاقعٌ لونها تسرُّ الناظرين بمبلغٍ ليسَ هيِّنًا وبعد الأسبوع الأول عانت بعض المشاكل فقام بصيانتها، يبدو أنَّ الأمر أعجبها فاستمرت بالخراب أسبوعًا بعد أسبوعٍ وهو يدفع مبالغًا لصيانتها وحينما طلبنا منه بيعها رفض رفضًا قاطعًا وقال:" بعد كلِّ إلي دفعته بثمنها وصيانتها أروح أبيعها، لا ما ببيعها"


"لا ما ببيعها" بعد سنة أصبحت "ما ببيعها"

بعد سنتين أصبحت "ببيعها" لكنَّه لم يجد أحدًا ليشتريها.


بلحظة من اللحظات علينا امتلاك شجاعة التوقف وتقبُّل الخسائر السابقة دون بذل المزيد لتعويضها، هي خسارةٌ نعم وقد يكون الاقتناع بها منجاةً من خسارةٍ أكبر.



امتلك شجاعة التوقف فالطريق ليس اتجاهًا واحدًا، والحياة ليست فرصة واحدة كما أخبرونا، والعمر يمضي ولا يتذكر أحدنا وهو بالستين من عمره إلا المواقف التي امتلك الشجاعة لتغييرها.







مارثون الخسائر 92863297157569440




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف وعي

تدوينات ذات صلة