شرح الصراع الاجتماعى فى المجتمع المصري"المصغر" وانعكاسه على الفرد على المستوى النفسي
يمر المجتمع المصري بمجموعة من التغييرات اجتماعية كثيفة وعنيفة في بنيانه الإجتماعي، بعد أن مر بتغيرات جوهرية خلال فترة الثمانينات بعد أن فتحت الهجرة الخارجية وخاصة إلى دول الخليج، فانتشرت ثقافة العربية إلى أنحاء وطننا، ومنها الجلاليب البيضاء والعباءه السمراء، وهى أيضًا ثقافة "التدين الشكلي" واستمر هذا الوضع بتزامن مع ظروف اقتصادية وتنموية أدى إلى انتشار الهجرة الداخلية بين المدن وخاصة المدن القريبة من العاصمة، ومع دخول الثورة المصرية وتقدم التكنولوجيا، بدأ الترنح من صراعات حقوقية وقيم وأفكار جديدة مع الأفكار المتوارثة ونمطية التغير"التدين الشكلى" إلى أن ظهر الصراع على السطح.
يقول "رالف دهرندروف" هو عالم اجتماع، أن الصراع هو القوة الخلاقة التي تصاحب التغير فى المجتمع من عادات وتقاليد قديمة إلى عادات وتقاليد أكثر صحية، فالمجتمع له وجهان متوازيان ﻭﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﻳﻜﻤﻼﻥ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ، الأول هو الاستقرار والتأليف والاتفاق العام"التوازن" والوجه الثاني هو التغير والتحول "الصراع" لكي نفهم مجتمعنا بشكل صحيح، لابد أن نضع أيدينا على التفاعل الجدلي بين الثبات والتغير والصراع.
دعونا الأول نعرف ما هى الثقافة
الثقافة هي مجموعة من المعطيات الفكرية والعاطفية والمادية، والثقافة لا تورث بيولوجيًا وإنما عن طريق الاستيعاب وهو الذى يجعل الثقافة إرث اجتماعي ينقل خبرات من جيل إلى جيل، وبذلك تدخل الثقافة فى التنشئة الإجتماعية.
الثقافة دائمة التغير، وتغيرها قد يكون بطئيًا أو قد يكون سريعًا على حسب درجة تقبل أفراده "الأفكار الجديدة" والتغير "الثقافي" يعنى التغير فى العناصر الثقافية المادية واللامادية ويحدث عندما يتم انفتاح على ثقافات جديدة أو احتكاك بين الثقافات المتشابهة للمجتمع، ويشمل التغيير على كل فروع الثقافة بما في ذلك "الفن، والعلم، والتكنولوجيا، والفلسفة" بالإضافة إلى التغييرات التى تحدث فى صورة وقواعد التنظيم الإجتماعى.
عندما يسمع الأشخاص كلمة "التغيير" عادًا ينتابهم الشعور بالخوف والحذر، كما أنهم يتقبلون التغير المادي بأسرع مما يتقبلون التغير اللامادي، بسبب التغير المادي قد يكون ملموس وذو فائدة لهم أما التغير اللامادي فهو يعني تخليهم عن عادات وتقاليد غرست لهم عن طريق التنشئة الأجتماعية أو إرث اجتماعي متوراث.
ما هي الأسباب التى أدت هذا الصراع
يقول "رالف دهرندروف" أن تفتت وحدة "الطبقة العاملة" أدت إلى تغير المجتمع من حيث بنيانه الاجتماعي، فلم يعد يشغلون مكانة واحدة في المجتمع، ومن هنا يركز على مصطلح "أشباه الجماعات" بدلًا من "الطبقات"، ويرى أن توجهات هذه الجماعات تحدد من خلال حيازة السلطة والاستبعاد منها.
ومن هنا نتساءل عدة أسئلة- كم شخصًا تحتاج لتغيير الموقف السائد حول قضية التنوع الديني أو الزواج المثلي؟ وما هو عدد الأفراد الذين يقدرون لصنع التأثير وتغيير فى الأعراف الاجتماعية الراسخة لدى المجتمع؟ ومتى يمكن أن تكون أقلية ما تأثر بشكل يجعلها قادرة على إحداث تغييرات إجتماعية؟ وما هو المقدار الكتلة الحرجة اللازمة لإحداث تغيير سلوكي وفكري وثقافي فى المجتمعات المختلفة؟
وكانت كل هذه الأسئلة تشغل بال فريق من الباحثين الاجتماعيين بجامعة"بنسلفانيا" الأمريكية، مشيرة أن فكرة يتقاسمها 25% من الأشخاص فقط قد تتحول إلى تبنى سلوك جديد بسرعة، وأن "انضمام شخصٍ واحد إلى الأقلية الملتزمة قد يصنع الفارق فيما يتعلق بنجاح تلك الأقلية في إحداث التغيير أو فشلها".
فقد دفعت التحولات الاقتصادية إلى تبنى الدولة سياسات التكيف الهيكلي وبرامج الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه وفرض ضرائب مثل القيمة المضافة، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على المجتمع، مما أدى إلى زيادة الهجرة الداخلية إلى المدن وخاصة المدن القريبة من العاصمة مثل محافظة"الإسماعيلية" التى كانت تتميز بهدوئها وسلامها النفسى الداخلى والتى كانت من ألقابها "باريس الصغرى" الذي يعكس جمال المدينة.
- أدى التطور السريع لتكنولوجيا إلى مواكبة التطور الثقافى وقيم الحقوقية وخاصة"حقوق المرأة" مما أدى إلى شرخ اجتماعي وظهور"الصراع" على منصات السوشيال ميديا، كما شهدنا سويًا"حادثة ضرب العروس أثناء زفافها" ونتيجة الضغط الإجتماعى الذى مارسه أهل المحافظة على ضرورة"رسمة جديدة بين الزوجين وقيم المرأة الجديدة" مع أفكار متوراث عليها أجيال سابقة المتمثلة فى الزوج"بضرب زوجته وإهانتها فى الشارع" إلى الاعتذار وإظهار ثقافته وعاداته وتقاليده نحو المرأه.
يمارس علينا "عنف رمزي" من كل الأتجاهات فى هذا التحول من تاريخ المجتمع، أول من أطلق هذا المصطلح هو عالم اجتماع فرنسي"بيير بورديو" ويقول إنه عنف غيرمحسوس ويتم عبر وسائل التربية ويهدف إلى تلقين المعرفة والأيدلوجيا، وهو يتخذ شكل لطيف وغير محسوس وهو يتجلى في فرض معايير ب"أشباه المجموعات" التى تمتلك قوة أكبر على تلك التابعة لها.
- أصبح الآن كل مجموعة لها صفحة خاصة تتكلم عن حقوقها وقيمها وأفكارها وثقافتها التي تتبناها، ومن يخالف هذه الثقافة فى الرأى يبدأ بالهجوم عليه والتنمر حتى يستجيب لقيم المجموعة أو البلوك وعدم إظهاره مرة أخرى، وكان سابقا من يفعل ذلك هم أصحاب "الفكر السلفى" والآن كثرت"المجموعات" وكثر معها العنف.
مع كل هذا التلقين والأيديولوجيات المتضاربة والثقافات المتضاربة، وكل مجموعة تتجزأ من قيم الحرية على حسب إيمانها وتصاعد أعمال العنف سواء جسدى أو رمزى، خلق تشويش للأجيال الصاعدة والأجيال القديمة التى لم تغير معتقداتها وثقافتها.
ماذا ينتج هذا الصراع الاجتماعى على مستوى النفسى للفرد
يوجد نظرية في علم النفس الإجتماعي"التنافر المعرفي" لعالم النفس الإجتماعي"ليون فيستينجر" منذ ذلك الحين .. أصبح التنافر المعرفي من أكثر النظريات تأثيرًا ودراسة في علم النفس الاجتماعي.
"التنافر المعرفي- الإدراكي" هو حالة توتر نفسية شديدة تصاحب الفرد فى اختياراته في الحياة، عندما يكون لدى الشخص فكرتين متناقضتين مختلفتين تماما حول الشئ ما فى نفس الوقت، يحدث نوع من أنواع التنافر ويبدأ عقلك رسم سيناريو لك لكل فكرة ونتيجة كل فكرة.
يحدث التنافر المعرفي من الصراع المعرفي بين ما نعتقد"أننا يجب أو نريد",,"أن نكون وماذا نفعل أو نختار" حيث تتجذر أفكار الفرد أو معتقداته فى التناقض، والنتيجة هو شعور بالتوتر والارتباك العميق والشلل فى تنفيذ القرار الصحيح.
يعيش المجتمع الآن حالة من التنافر المعرفي بسبب تعدد وجهات النظر المختلفة والأفكار المتناقضة لنمط تفكيره والثقافات الجديدة التي فتحت طريقها إلينا عن طريق العولمة نتيجة حالة الثبات التي يعيش بها المجتمع فى فترة كبيرة من تاريخه.
- حادثه ابشع جريمة قتل فى العالم التى كانت فى الإسماعيلية إيضًا كانت نتيجة عوامل كثيرة لكن من اهمها هو حالة العصبية التي كان بها القاتل والتى كانت بسبب وجود "أفكار مغلوطة اخلاقيا " والتى تسببت حالة التوتر مع شرب مواد كيميائية مخدرة نتح "تنافر أخلاقي" وحالة المتفرجين الذين أصابتهم حالة الدهشة والتردد في اختيار القرار المناسب الذي قد يكون نجاه روح من الموت البشع.
يوجد ورقة بحثية حديثة نشرت في sciencedirect تقول كثرة الأفكار المتضاربة لدى الفرد تعكس حالة الفرد من عدم إدراكه لنفسه وبالتالي يحدث نوع من الاضطراب في الأنا، وأن التنافر هو نواة لمشاكل عقلية وقد يجذب إضطرابات عقلية مثل اضطراب الوسواس القهري-OCD إذا استمر التنافر مدة طويلة في حياة الفرد.
وأن التنافر المعرفي-الإدراكي هو ثنائية في اتخاذ القرار المناسب بين "ما نعتقد أن نفعل" بناء على خبراتنا الماضية والأفكار والثقافة التي نحملها وعندما تجد من يعارضها نصاب بالعصبية والخوف والتردد من أمننا الذاتى والمعتقدات التى نحملها، مجرد أفكار متناقضة عن نفسه أو المعتقدات التى يحملها بعيدة عن الصراع الاجتماعى الخارجى.
والأمثلة كثيرة في مجتمعنا منها على سبيل المثال" النظرة الأحادية التي تعامل بها الأسرة المصرية مع أبناءها والتي بدأت الآن تمرد الأجيال على هذه النظره مما خلق"عنف رمزي وجسدى" على البنات والشباب"
"والخرافات الدينية" البدائية المتوارثة مثل ضرب الزوجة أمر مباح، وقفل الباب الحمام حيث يسكن الشيطان والشبشب المقلوب نظير للفقر، و"الأفكار التي تم غرسها" عروض التوفير الاستهلاكية على المنتجات، وقول نعم للشخص الأكبر منك، ونمطية أحادية التفكير فى صنع مستقبل أبنائهم والأمثلة كثيرة في مجتمعنا والتي استمرت فى حالة ثبات كبيرة إلى أن وصلت انفجار اجتماعي على منصات السوشيال ميديا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات