"السمات الشخصية مثل الأوراق التي تحمل الثمار بفضل السوق والجذور والماء الذي يرويها . فإذا فسد الماء ، تسممت الجذور والسيقان والفروع"
وما كل منا - بغض النظر عن دينه ولغته وموطنه وجنسه - إلا مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية والعقلية. وما مجموع هذه الصفات شئنا أم أبينا إلا مجمل سمات الشخصية .فلا أحد منا له قرار في طوله أو عرضه أو لسانه . ولا أحد منا له قرار في ما إذا كان سريع الحركة والبديهة أو بطيء الفهم . ولا أحد فينا يتحكم في كونه أيمن أو أعسر ، أو ذو ميول فنية أو أدبية أو رياضية أو بيولوجية. فلكل منا شخصيته التي يولد بها ومكودة في جيناته فلا يستطيع تغييرها وإن نجح في تطويرها. والإختلاف في سمات الشخصية ضروري لتعدد الفكر ، وبالتالي تكامله وصهره في بوتقة الحياة من خلال الآليات المختلفة في حياتنا اليومية داخل وخارج نظام العمل.
والسمات الشخصية تنعكس انعكاسا مؤثرا علي طريقة قيادة المؤسسات ونجاحها في تحقيق رؤيتها ورسالتها. فهناك من السمات التي في مجملها ما تعطي ما نسميه "الكاريزما" أو "الهيبة" ، وهي المطلوبة شكلا لتحقيق القيادة القوية. وبالطبع من يمتلك الكاريزما عادة ما يمتلك الصفات النفسية للقيادة مثل الحكمة والحِنكة ، وسرعة إتخاذ القرار، والقدرة علي قيادة الفريق بسهولة ويسر وبروح التعاون، وخلق روح وسبل الإبداع في العمل، وخلق الوسائل التي تقفز بالمؤسسة إلي الأمام في وقت قصير، وكذلك خلق جيل جديد من الصف الثاني والثالث والرابع يكون جاهزا للقيادة العليا في أي وقت.
ولأهمية السمات الشخصية في إنجاح العمل وتعزيز دور القائد، فلابد من المقابلات الشخصية "الإنتيرفيو" لتقييم الشخصية تقييم موضوعي من خلال التعرف علي السمات الشخصية التي تصلح لكل وظيفة ما علي وجه العموم، والوظيفة القيادية علي وجه الخصوص. فأثناء "الإنتيرفيو" يتم إكتشاف وإستكشاف كل سمة من السمات الشخصية وخاصة سرعة البديهة، سرعة اتخاذ القرار، والقدرة علي التعاون، والطموح بالكل وليس الذات، والقدرة علي المحاسبة الموضوعية بالثواب والعقاب، والقدرة علي التحلي بالصبر والتحمل والثبات الإنفعالي ، وبالطبع المظهر العام وطريقة التواصل مع الآخر.
وليس هناك من لا يمتلك سمات شخصية إيجابية ، بل كل منا يمتلك نوعا من هذه السمات. ولكن هناك عوامل تؤثر في تبيان السمات الشخصية مثل التعليم والتدريب المستمر. فهناك من يمتلك سمات شخصية قيادية، ولكنه غير متعلم وغير مدرب، وبالتالي لا يقدر علي إظهارها، ولا يتمكن الآخرون من إدراكها. ولذلك فالندوات وورش العمل وغيرها من آليات التدريب المستمر هي التي تساعد علي تطوير السمات الشخصية وثقلها وخروجها للنور لمن يستطيع إكتشافها وتبنيها للإستفادة القصوي منها.
ولأن سمات الشخصية ينعكس علي سلوك صاحبها، ولأن السلوك ينعكس علي إنتاج صاحب الشخصية، فهناك علاقة وثيقة بين طبيعة السمات الشخصية والبصمة الإنتاجية لصاحبها. فكلما كانت البصمة واضحة وجلية ومؤثرة لنفع الناس كلما كان هذا إنعكاسا للشخصية، خاصة إذا كانت في مركز قيادي. وإن لم تكن في مركز قيادي، وهذا هو الأهم، فقد يمثل ذلك علامة كبري للتفكير جديا في استقطاب هذه الشخصية لوظيفة قيادية تناسب المؤهلات والسمات. ولذلك تقدم السيرة الذاتية قبل المقابلة الشخصية حتي يستطيع من يقيم ان يدرك النجاحات السابقة للشخصية خاصة اذا كانت هذه النجاحات لم تكن معتمدة علي قوة منصب كان يتقلده بل علي قدرة الشخص نفسه ومهارته ومؤهلاته في تحقيق هذه النجاحات والتي بالطبع من المتوقع ان تزداد إذا أصبح في موقع القيادة .
ومع أن السمات الشخصية والسلوكية مرتبطة بالبصمة البيولوجية وخاصة الجينية ، إلا أن هناك من السمات السلوكية التي تبدوا وكأنها سمة عامة تخص كل شعب دون غيره، وهي التي تم اكتسابها في شعب ما عبر عقود من الزمن. فعلي سبيل المثال يتميز الشعب الياباني بالقدرة علي العمل المتواصل دون كلل وهو سعيد. ويتميز الشعب الألماني بالجدية في العمل والصرامة في التنفيذ. ويتميز الشعب الأمريكي بالتفكير الجريء والسريع قبل التنفيذ مع إضافة كل ما هو جديد من ابتكارات . والشعب الصيني يتميز بالقدرة علي التحمل والعمل تحت أسوأ الظروف للخروج بأحسن النتائج وبأقل الإمكانات. ويتميز الشعب المصري بالقدرة علي التحمل والتكيف مع كل الظروف بالإضافة إلي القدرة الإستهلاكية وسرعة البديهة والإهتمام بالمظهر احيانا علي حساب الجوهر. وهكذا باقي الشعوب.
ولذلك يجب الأخذ في الإعتبار السمات الشخصية لشعب بعينه عند تقييم السمات الشخصية الفردية. فكلما كانت الشخصية تمتلك سمات تناهض السمات السلبية في عامة الشعب الذي تنتمي إليه الشخصية ، وفي نفس الوقت تمتلك الكثير من السمات الإيجابية ببصمات واضحة ومثبتة علي أرض الواقع ، كلما كانت هذه الشخصية متميزة ومميزة ومناسبة للقيادة بدون تردد. ولهذا السبب يهتم صانعي ومتخذي القرار بعامل السمات الشخصية في "الإنتيرفيو" بعد تحليل البصمات الإنتاجية للشخصية في سيرته الذاتية وذلك قبل الخروج بقرار مصيري لصالح مؤسسة ما.
ولأن لكل نظام أعداء، فإن العدو الحقيقي المضاد لإعتبار السمات الشخصية هو الواسطة التي قد تأتي بمن لا يمتلك ما هو مطلوب من سمات وقدرات. والدولة هنا ليست هي من يصنع الواسطة بل الأفراد أنفسهم هم من يصنعونها ظنا منهم بأنها تحقق احلامهم في الحياة وهم لا يعلمون انها وباء عام يضر المصلحة العامة، حتي ولو افادت مصلحة خاصة. ولا يعلمون أن الضرر الجسيم بالمصلحة العامة مؤكد سوف يطول المصلحة الخاصة ولو بعد حين.ولكن نتيجة للجهل والطمع وتدني الأخلاق والقيم والضمير تفشت الواسطة حتي أصبحت الواسطة سمة من سمات الشخصية.
السمات الشخصية مثل الأوراق التي تحمل الثمار بفضل السوق والجذور والماء الذي يرويها . فإذا فسد الماء، تسممت الجذور والسيقان والفروع، وفسدت الأوراق والثمار وما بها من بذور .فلنهتم بالماء الذي يروينا والذي يجري في قنوات التعليم والبيت والمسجد والشارع والإعلام.
تحياتي
د. محمد لبيب سالم
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات