التربية العاطفية للفتاة المراهقة، في ظل متغيرات العصر وضغط وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتزامن مع اقتراب الأم من أزمة منتصف العمر
قبل أشهر قليلة احتفلت بعيد ميلاد طفلتي الخامس عشر.
كنت معتادة في أعياد ميلاد بناتي أن أتذكر أيام مولدهن، أحمد الله أنهن يكبرن أمامي بخير وسلام، ويجرفني الحنين إلى ذكرياتي معهن، ولكن هذه المرة جرفني الحنين إلى شيء آخر.
تعلقت عيناي بابتسامتها من وراء الشمعتين (15)،
اخترق خيالي حاجز الزمكان فرأيتني وأنا أحتفل بيوم مولدي الخامس عشر، وكأنه البارحة.
تذكرت سعادتي الغامرة بأنني أخيرًا تخلصت من الطفولة، وشعوري بأنني حقًا صرت فتاة، لم يعد يحق لأحد أن يعاملني كطفلة، لقد كبرت وها أنا ذي مستعدة للحياة بكل معانيها.ولكن الحياة أثبتت لي بعدها أنني لم أكن جاهزة لها تمامًا،
كنت متشوقة لأحلامي الوردية عن الحياة، لا إلى حقيقتها.
سرت قشعريرة من القلق في أوصالي وأنا أراقبها تطفيء الشمعتين في ابتهاج، والسؤال يتردد في عقلي وكأنني أفقت من غيبوبة طويلة:
أحقًا أصبحت مريم في الخامسة عشرة؟
أنا لازلت عالقة هناك.. كان علي أن أعترف لنفسي، ربما أكون قد تخطيت الكثير من متاعب المراهقة، وأحلامها وطيشها، ولكن جزءًا أصيلًا مني لا زال عالقًا هناك في الخامسة عشرة!
ومن منّا اجتاز مراهقته وودعها بسلام تام؟
من منّا لا يحمل معه بقايا تأبى النسيان من مراهقته؟
تجتمع في المراهقة خيوط الطفولة، وتجاربنا الجديدة، لتنسج لنا ما سنرتديه بقية حياتنا في أربعة أمور أساسية:
- تصوراتنا عن الحب، تقديرنا لمشاعرنا العاطفية، وضبط عقولنا الواعية لرغبات اللاوعي وضغوط المجتمع.
- تصوراتنا عن النجاح، تقديرنا لإمكاناتنا، وحجم طموحاتنا ووجهتها.
- الثقة بالنفس وصورة الجسد.
- الصداقة وما يتبعها، مدى قبولنا للآخرين وشعورنا بالتقبل.
وهذا لا يعني أنه بعد المراهقة فلا تغيير، بالطبع لا، سنتغير كثيرًا، قد نستثمر في نقاط قوتنا، أو نظل نحارب ضعفنا، قد ننجح كثيرًا، ونفشل أحيانًا، قد نخلع رداء المراهقة تمامًا بثوب يليق بنسختنا الناضجة الجديدة، ولكن خبرات المراهقة حتى وإن تجاوزناها فإنها لا تفارقنا.
مشاعر المراهقة بين الأم والبنت
أصبح معتادًا بالنسبة لي أن تبدأ الأم الاستشارة التربوية بالحديث عن ابنتها، عن قلقها على أخلاق الفتاة، ودهشتها من سلوك ابنتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليصل بنا الحديث إلى الأم نفسها، أزمتها العاطفية، ومشاعر القلق العاطفي العميق، والكثير من الإحباط.
في إحدى الاستشارات التربوية ذات التفاصيل المؤلمة، ظلت الأم تسرد على مدار جلستين سلوكيات ابنتها المقلقة، ومحاولاتها الفاشلة في احتوائها، حتى كشفت في الجلسة الثالثة عن الألم الحقيقي، سوء العلاقة بينها وبين زوجها وكلاهما يفرغانه على الفتاة التي لم تتجاوز السادسة عشرة.
كانا يتبادلان الاتهامات الأخلاقية عبر الفتاة، يثبت كل منهما للآخر أنه سبب تعاسته بالإسقاط أو كما نقول في العامية "بالتلقيح" والتلميح على الابنة.
ومن ناحية أخرى، فإن الأم تواجه مع ابنتها دفاترها القديمة، فربما تشبهها الفتاة في الطريقة فتصبح الأم عنيفة معها لأنها نادمة على اختياراتها هي، وربما تختلف عنها الفتاة فتقسو عليها أيضًا أو تعزلها عاطفيًا وكأنها تجسد لها نمطًا مختلفًا من الفتيات كانت تحسده، أو تبغضه، أو تحسده سرًا وتبغضه علانية!
التربية العاطفية للمراهقين
من معضلات التربية الحالية تفهم واحتواء المراهقين عاطفيًا.
تربية المراهقين عمومًا تحتاج إلى الكثير من الوعي، واستحضار الهدوء والتحكم في الغضب.
في هذه الحلقة من بودكاست على بلاطة نموذجًا لخناقة الأم مع ابنتها المراهقة، وطرق التعامل الصحي مع سلوك المراهقة
يواجه الآباء والأمهات مع أبنائهم واقعًا مختلفًا عما كانوا يعيشونه، غير الإنترنت كل شيء، المراهقة في التسعينات لا تشبه في أدواتها المراهقة الآن.
ولكننا كثيرًا ما نصر على المعاندة، وننسى وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-:
"لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
هذا لا يعني بالضرورة أن نتقبل، ولكن هناك مساحة للتفهم سواء قبلنا أو لم نقبل.
المعاناة العاطفية للأم
قالت لي إحدى الأمهات وهي تأسى على ابنتها: هي تلعب ولا تعرف حتى كيف تحب؟
سألتها: لماذا تشككين في قدرتها على الحب.
أجابت بلهجة قاطعة: تحادث العديد من الأولاد على الإنستجرام، تكلم الجميع بنفس الأسلوب، هل هذا حب؟!.. لقد كنت في سنّها أحفظ أشعار نزار قباني وفاروق جويدة، وأعيش في خيالي مع روايات عبير وأغنيات عبد الحليم حافظ.
سألتها مجددًا: وهل أحببتِ؟
هزت رأسها نفيًا، وقالت: كان من الصعب أن أجد في الواقع المرير من يُلبي رومانسيتي الشديدة.
لم تفشل المثالية والرومانسية الشديدة مع الأم التي تعتبر حياتها العاطفية خاوية، ولكنها تريد تصديرها إلى الابنة، هي لا تزال عالقة في إحباط المراهقة.
أدرك كم تعاني الأمهات، وكيف أن الواقع يبدو مخيفًا بالفعل، ومخاطر التواصل الافتراضي والفعلي المحيطة بالفتيات كثيرة، وقصص الابتزاز والاستغلال وكسر القلب كثيرة للغاية.
ولكن من الأمور التي تُعقد التعامل الصحي مع المراهقين – في رأيي- هو عدم فصل الآباء والأمهات لمشاعرهم الخاصة عن مشاعر أبنائهم.
ربما يكون أصعب ما في علاقة الأم والابنة في مرحلة المراهقة، هي أنها تأتي في وقت صعب للأم أيضًا، مع أزمة منتصف العمر أو ما قبلها، وما يعتريها من مشاعر الشك في أمور كثيرة، وإعادة التساؤل في مسلمات الحياة.
تحرير المشاعر المكبوتة لدى الأم، تعاملها السوي مع الضغوط العاطفية والزوجية يُساعد كثيرًا في أن تمنح ابنتها توجيهًا حقيقيًا وليس مجرد تخويف أو تهديد أو صراع مستمر.
نصيحتي للأم: ابنتك رفيقتك، والعديد من سلوكيات المراهقة المزعجة تمر بسلام.
ليكن قلبك واسعًا، وبابك مفتوحًا، وأذنك مصغية..
ابنتك ليست عدوتك، تفهمي مشاعرها، وارسما الحدود العاطفية سويًا بحب وبدون تهديد، ولا تجعلي أزماتك العاطفية السابقة أو الحالية تقطع طريق صداقتكما.
تعرفي في هذا الفيديو على التربية العاطفية للفتاة المراهقة،
بنتي المراهقة بتحب! ابني بيكلم بنت! "التربية العاطفية للمراهقين"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات