هل تظن أن التخطيط للعام ووضع قوائم المهام To Do Lists شيء رائع؟.. حسنًا، ربما تغير رأيك بعد هذا المقال!

سأعترف لكم بشيء، وسأكشف لكم عن تحول خطير في استقبالي لهذا العام.


أنا من هواة وضع الأهداف.ومن مدمني البلانيرز (أجندات التخطيط).

والحقيقة أنني أضع الأهداف بمهارة كبيرة، وأقسمها لأهداف صغيرة، وأنسق الخطوات الصغيرة Baby steps، وأرسم معالم النجاح على الطريق Mile stones، حتى تبدو خطتي السنوية، ونصف السنوية، والشهرية واليومية، وكل خططي المتناثرة حولي- تبدو متقنة للغاية ومفعمة بالأمل والطموح.

ولكن..هل أحقق أهدافي؟

وصلنا للسؤال المحرج!

لن أقسو على نفسي، ولا عليكم يا أصدقائي من واضعي الأهداف ومحبي التخطيط..ولكن دعونا نواجه الحقيقة، قد نحقق بعض الإنجازات، ولكن هل نصل إلى أهدافنا؟هل الطريق الذي نرسمه للوصول للأهداف فعال حقًا؟

أو بشكل أكثر وضوحًا:هل ننجز قوائم الأعمال العنيدة (To Do List) التي نضعها لأنفسنا ؟

لن أخجل من مصارحتكم بأنني أفشل في الاستمرارية.

أبدأ العام، أو الشهر، أو اليوم بحماس كبير، كجذوة نار مشتعلة، ثم تخبو شيئًا فشيئًا، أحاول لبعض الوقت أن أجدد الوقود، ولكنها تنطفيء، يشتد الهواء إلى الحد الذي يُطفئها، أو يتساقط المطر فجأة، أو تنقطع إمداداتي، وأبتعد عنها وتسحقني الحياة في دائرة المهام العاجلة والملهيات.

مازلت قادرة على العودة من جديد، ولكن مع تكرار الانطفاءات فإنني أعود بكثير من خيبة الأمل، والشك في الذات.



قائمة لا تفعل/ To-Don’t Do List

لن أضع أهدافًا لهذا العام!19312943452434130



إذا أردت أن تُمسك بشيء فإن عليك أن تُفلت آخر.

وإذا أردت لقائمة المهام أن تنجح، فلا مفر من أن تضع قائمة موازية للمستبعدات، فلن تكون فاعلًا مرفوعًا، إلا إذا استترت في جمل كثيرة.

وكما يُقال فإن:

التخلية قبل التحلية

وبناءً عليه، فإذا كنت عالقًا – مثلي- في قوائم المهام غير المنجزة، أو التي لا توصل إلى الهدف، فإن عليك أن تفكر في التخلي عن كثير من المهام والأعمال والعادات.

أنا لن أخطط للعام الجديد قبل أن أتخلى أولًا عن الكثير من المهام العالقة والمعرقلة.


قائمة المهام "المستبعدة"

هذه هي المرة الأولى التي أستقبل فيها التخطيط للعام الجديد بالتفكير العكسي:

ما الذي سأتوقف عنه، وليس ما الذي سأفعله.وهذه بعض الأشياء التي بدأت في وضعها في قائمة التخلي، وتبدأ جميعها بهذا الحرف العظيم "لا".


1- لا افتتان بالكثرة ولا ملاحقة للكم

لن أضع أهدافًا لهذا العام!10629279213940034



يرتفع الدوبامين عندما نضع علامة (صح) أمام العمل المطلوب في الخطة، الشعور بالإنجاز رائع، ولكن آن الأوان أن تكون العلامة فارقة بالفعل.

وفقًا لمبدأ باريتو وقاعدة 20/80 الشهيرة فإن"

20 بالمئة من النشاط يؤدي إلى 80 بالمئة من النتائج.

يعني ببساطة أننا نضيع أغلب الوقت في الأشياء ضعيفة المردود، بينما نترك للأشياء الفعالة المؤثرة الحيز الأقل في وقتنا وجهدنا.

وقد آن الأوان أن أتوقف عن رسم الخطط، ووضع الأهداف، وتنميق لوحة التصور vision board لصالح الانتقاء، أن أوقف الهوس بالكم لصالح الكيف لأول مرة في حياتي.

نعم.. يحتاج هذا إلى مراجعة صادقة، وتحديد للقيم الشخصية الأهم Core Values، وربما نتحدث عن هذا الأمر في وقت لاحق.

أسعى منذ عامين لتطبيق التقليلية minimalism في حياتي، وقد رأيت بركة هذا التبسيط في أمور كثيرة، وأعتقد أنها ستكون أعم فائدة إذا ما تمكنت من عقلي هذا المتشتت بأحلامه، لأبدأ في التركيز على ما يهمني حقًا.

في هذا الفيديو تحدثت عن المينماليزم وفوائده:





ملاحظة للنفس:

وكم أضعت في الكم؟!

وكم ألهاني التكاثر!

كم من معلومات ابتغيت.. أناس أرضيت.. عطور اقتنيت.. صفحات.. وجوه .. كلمات ثرثرت..

لم أعش بعد.. ما زالت أسيرة الجمع.

ربما يوم أهم من كل سنينك.

ربما اللحن الذي يسحرك مازال مخبوءا عنك يختبيء من ضجيج ضوضاء تحشد بها روحك.

لحظة عشق.. رشفة بهجة.. رجفة نشوة.. تطيش بكل نزواتك وأحلامك.. تنسيك مرارات إحباط.. ودهس ملل.

دفقة نور تغسل روحك.. تكشف حُجبك.

وجه بملايين الوجوه.

تحررري من الكم وتذوقي.. التذي.

فالنهمون أشقياء محرومون.

سرق عمرك سباق الجمع وأرداك في سجن المهام والتكرار وآفاق المحدودين..


2- لا وسائل تواصل اجتماعي

لن أضع أهدافًا لهذا العام!76818315621979710



حسنًا لقد فعلتها من قبل عدة مرات، كنت أظنها مستحيلة، ولكنها – على العكس- كانت ممكنة وممتعة ومحررة.. أن أنقطع عن وسائل التواصل الاجتماعي.

آخر مرة أغلقت فيها فيس بوك وحذفت انستجرام كانت قبل 6 أشهر، في منتصف العام الماضي تمامًا، أجازة صيفية بعد أشهر من الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، فقررت أن أستعيد ذاتي التائهة المتعبة، فأغلقتهما، واستبدلتهما بتطبيق Quora الذي أستطيع السيطرة على نفسي في استخدامه إلى حد كبير.

النتائج مذهلة..

الانقطاع عن وسائل التواصل يأتيك بباقة من الفوائد المجتمعة، والكثير من اللاءات الأخرى التي تحررك من ضغوط كثيرة، مثل:

لا للنفاق الاجتماعي، ولا للمقارنة مع الآخرين، ولا لتشتت التفكير، ولا لضياع الوقت، ولا للأخبار المؤسفة التي تثقل روحك، ولا للتعليقات الشنيعة، والجدالات المرهقة، والإشعارات المتلاعبة بنظامك العصبي.

حدد هذه اللا وجرب أن تغير فيها، يمكن البدء بإلغاء التطبيقات من على الهاتف، والإبقاء على الأكثر فائدة والأسهل تحكمًا، مثل: يوتيوب، وكورا، أما التطبيقات الأخرى فيمكن استخدامها من على اللاب توب، مع إلغاء التفعيل بين الحين والآخر.


3- لا لاستهلاك الكثير من السكر

لن أضع أهدافًا لهذا العام!92658128913386370



في العام الماضي اتبعت حمية الكيتو لمدة شهرين، كان لهذا الأمر تأثيرًا عظيمًا، ليس على خسارة الوزن فحسب، وإنما في شعوري باسترداد إرادتي المهزومة لسنوات أمام المعجنات الشهية، والشيكولاتة، والعصائر المختلفة.

تقليل السكريات له تأثير مباشر على زيادة الهدوء، وزيادة الإنتاجية والنشاط، فضلًا عن الفوائد الصحية الأخرى الهامة والكثيرة الناتجة عن استعادة حساسية الأنسولين.


4- لا للخجل من قول "لا"

لن أضع أهدافًا لهذا العام!12901497225737458



هناك وعي متزايد عالميًا بأهمية قول "لا"، ولكنني – مع الأسف- لم أدرك هذا الأمر إلا مؤخرًا، فقد دُجنتُ مثل ملايين الناس، وبخاصة الإناث حول العالم على قول "حاضر" التي تُسعد الآخرين.

ونشأت على أن إرضاء الآخرين هو نمط الحياة الذي علي أن أتبعه إذا ما أردت أن أكون حسنة الخلق ولطيفة، فيما يُعرف بالـ People pleaser أو مُرضي الناس.

لا..

ثم لا ولا، وألف لا..

حُسن الخلق واللطف لا يعنيان غياب الحدود الشخصية، وانتهاك الخصوصية، والتعدي على الوقت، وطلب الأعمال والأشياء بسيف الحياء.

العجز عن الرفض، يُهدد كل قوائم الأعمال، ونيران الحماسة، وكلمات التحفيز، وخطط المستقبل القريب والبعيد.

لا يُمكن أن تفعل شيئًا ما لم ترفض شيئًا آخر.

لا يُمكن أن تستقبل ما لم تفرغ مكانًا.

إذا قلت نعم باستمرار فلن يتبقى منك شيء، لا لنفسك ولا لأحد.

نحن محدودون.. وجودنا، قدراتنا، أوقاتنا، طاقتنا، ولا مفر من ترتيب الأولويات، وقول لا حتى لكثير من الأشياء الجيدة لأن هناك ما هو أهم وأولى وأجود وأنسب للمحطة التي نقف فيها في رحلتنا.


5- لا للمعارك

لن أضع أهدافًا لهذا العام!62038229697541420



لدى إخوتي السوريين تعبير ظريف للدلالة على سرعة إنهاء قصة ما وكأنها لم تكن وهو "ماتت بأرضها".

وهو الشعار الذي اخترته لهذا العام في التعامل مع كثير من القضايا المفتعلة، والتريندات البلهاء، والمشكلات التي ستذهب مع الريح.

على رأس قائمة المستبعدات لهذا العام، وآمل لما تبقى من عمري، هو استبعاد المعارك من حياتي قدر المستطاع.

شيء ما في ثقافتنا يُعلي من شأن المواجهات، يرسم شخصياتنا منتفخة الأوداج، عالية الأصوات، متأهبة للبطش، مستصغرة لخلق الحِلم.

حسنًا، وبعيدًا عن جدال "الي يضربك اضربه"، فإنني أشعر أنني قد نلت ما يكفيني من هرمون الكورتيزول (هرمون الإجهاد)، واستجابات الكر والفر Fight or Flight فيما مضى من عمري، وأفرز جسدي ما يكفي من الأدرينالين ل100 شخص.

وحتى لا أكون جبانة، وحتى أدافع عن حقوقي، وحتى أتأكد، وحتى أُعدّل المائل، فقد انجررت كثيرًا إلى معارك لا تعنيني، بدءًا من صراعاتي الذاتية حول الجدوى، واجترار الذكريات، والندم على ما فات، والقلق مما هو آت، وحتى معارك الحب والزواج والتربية والعلاقات والعمل.

وكيف سأواجه المعارك الحقيقية إذا ما استنفذت قوتي، وأهدرت أسلحتي، وخسرت دفاعاتي في مشاجرات ومواجهات كان يُمكن جدًا تجنبها؟

وكأم، فعلي أن أتوقف فورًا عن دور "الدراما كوين"، فهناك لاعبون جدد على الساحة، وعلي أن أتحول من عقلية "قطتها جمل" إلى "جملها قطة" لاستيعاب الدراما الجديدة بابتسامة عبثية وصبر جميل وكظم للغيظ.


وختامًا..

فإنني لا أدعو إلى مقاطعة رسم الأهداف، لا في العمل، ولا في التربية أو الحياة عمومًا، ولكننا نحتاج حقًا إلى هدنة، وإلى قائمة موازية للمستبعدات.

لدي الكثير في قائمة (المستبعدات) أو To Don’t List، وأجمل ما في هذه القائمة أن كتابتها وتطبيقها يُشعر بحرية كبيرة، وراحة وقابلية للتركيز والعمل والشعور.

مي عباس

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

"التخلية قبل التحلية".. ربط رائع بين مفاهيم الثقافة الإسلامية وآليات التخطيط الغربي

إقرأ المزيد من تدوينات مي عباس

تدوينات ذات صلة