لكل شيء قصة، والقصة عبارة عن أحداث متسلسلة منظمة ومترابطة ، ولها بداية شيقة وعقدة وهي ذروة الأحداث ونهاية قد تكون مفتوحة أو مغلقة

ولها شخصيات رئيسية وثانوية. قد تكون القصة وهمية أو حقيقية وتروى لهدف إما الترفيه أو أخذ العظة والعبرة.

والبشر عبر العصور أتقنوا سرد القصص ، ومازالت القصص تُسرد وتكتب ليومنا هذا ، حتى قيل أن لكل شيء قصة فمثلا اكتشاف الجاذبية الأرضية قصة، اختراع الهاتف قصة ، دوران الأرض قصة سقوط الأمطار قصة فيضان الأنهار قصة وكل ما يحدث حولنا من ظواهر طبيعية وبشرية ومواقف اجتماعية وشخصية عبارة عن قصص تروى يوميا .

وقصتنا لليوم هي إحدى القصص الواقعية البيئية الإنسانية لن نعتبرها قصة حزينة بل قصة تدعو للتفاؤل، قصة تستحق أن تسرد عبر التاريخ والأجيال، قصة العدالة المناخية.


جميع دول العالم مشاركة في هذه القصة ونحن جزء من هذا العالم، هذه القصة لتحقيق السلام والعدالة على هذا الكوكب. ولم ولن يكن هذا الكوكب ملكا لشعوب دون غيرهم في يوم من الأيام ، وجميعنا مشاركين ومسؤولين عما يحدث عليه من مظاهر الفرح والحزن ومن تقدم وانتكاسات ومن حروب وسلام ومن غنى وفقر الشعوب ، ولكن في بعض الأحيان قد تبرزو تساهم دول أكثر من غيرها في إحداث تناقضات وخلل وإرباك للأنظمة البيئية الإيكولوجية، دول طغت في اقتصادها على حساب شعوب ودول أخرى مما ننتج عن ذلك ظلم لتلك الشعوب. وهذا ما حدث بالفعل فالدول الاقتصادية الكبرى طغت في اقتصادها واستبدت وسخرت الموارد الطبيعية وثروات باطن الأرض من المعادن والوقود الأحفوري ( النفط والغاز والفحم) لأجل المنافسة الاقتصادية والسيطرة على العالم. منذ الثورة الصناعية الأولى في أوروبا بعد اختراع الآلة البخارية في القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا ازدادت المصانع والآليات ووسائل النقل وتتابعت الثورات الصناعية وصولا للثورة الصناعية الرابعة وهي ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالاات والذكاء الاصطناعي.

ومع هذه الثورات الصناعية المتعاقبة لم تكن الأرض بخير، اختلت موازين أنظمتها الإيكولوجية، تنبه العلماء المختصين بالبيئة لذلك بدأت أصواتهم ترتفع لوقف هذا التدمير للبيئة وشعورهم بالخطر المحدق بهذه الأرض ، فعقدت المؤتمرات البيئية من قبل هيئة الأمم المتحدة وكان أول مؤتمر للبيئة في ستوكهولم / السويد في عام 1972م. ومع إزدياد تأزم الوضع البيئي تنبه علماء البيئة والمناخ لظاهرة خطيرة وهي ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري الناتجة عن إزدياد الغازات الدفيئة، حيث وجدوا أن درجة حرارة الأرض تزداد سنويا ما بين درجة ونصف إلى درجتين وهذا مقبول حسب راي علماء المناخ، ولكن وفي السنوات الأخيرة أثبتت الأدلة العلمية أن درجات حرارة الأرض آخذة في الازدياد بمعدل أربع درجات وهذا مايحاول العالم منعه وإرجاع مسار ارتفاع درجات الحرارة لمسار درجة ونصف أودرجتين ، لأن ذلك تبعه كوارث طبيعية كالفياضانات والأعاصير التي ازداد عددها واختلفت شدتها وحرائق الغابات، و ذوبان الثلوج والجليد على قمم الجبال وفي القطبين، والأمطار الحمضية وجفاف الأنهار والسدود وتصحر الأراضي الزراعية وموت البشر والعديد من الكائنات الحية أو هجرتها، بالاضافة للأمراض الخطيرة الناجمة عن التلوث بالغازات السامة وكل ذلك أدى لخسائر اقتصادية ضخمة في الدول المتقدمة و النامية على حد سواء.

لذا خصصت الأمم المتحدة مؤتمرات للتغير المناخي. انعقد أول مؤتمر للأمم المتحدة حول التغير المناخي في برلين عام 1995. وتوالت فيما بعد المؤتمرات المناخية ، وما يهمنا هنا في هذا المقال مؤتمر عُقد في عام 2000 في مدينة لاهاي، فأثناء فترة توقيع اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، وقعت أول قمة للعدالة المناخية في لاهاي ، حيث تبين أن التغير المناخي والاحتباس الحراري أكبر تهديد لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين وهذا ما جعل هيئة الأمم المتحدة أن تعلن ضرورة تحقيق العدالة المناخية، فالدول والشعوب الأقل حظا هي أكثر تأثرا من غيرها بالاحتباس الحراري واكثر عرضة للمخاطر البيئية والتلوث ،على الرغم من أنهم أقل فئة أسهمت في مشكلة الاحتباس الحراري. مما يدعو إلى ضرورة الوقوف في صف أولئك المتضررين والمهمشين من قبل العالم وتوفير المساعدات الطارئة لهم. ومازال الجدل الأخلاقي قائم لإنصاف تلك الشعوب وعدم تركهم بمفردهم حينما تبدأ الدول بالتصدي لتغير المناخ من خلال التركيز على التنمية المستدامة.


العدالة المناخية مصطلح للعدالة البيئية والعدالة الاجتماعية، أدرج ضمن إطار القضايا والمشاكل السياسية والأخلاقية الناتجة عن تأثير تغير المناخ والاحتباس الحراري ومحاولة إنصاف الشعوب وتحقيق العدالة والمساواة للفئات المهمشة ضمن خطة التصدي للتغير المناخي،. إحدى الأمور الأساسية التي تطرحها العدالة المناخية هي توجيه الدول الغنية لتحمل المسؤولية عن غالبية انبعاث الغازات الدفيئة وتحديدا الكربون من عام (1850- 2021)، وتعويض البلدان والشعوب الفقيرة التي دمرت منازلها وانتشرت الأمراض بينها نتيجة الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.


ومع كل هذه المؤتمرات التي تعقد سنويا لأجل البيئة والتغير المناخي والتي كان آخرها مؤتمر الأطرف في غلاسكو الاسكتلندية2021م إلا أنه وباعتراف من هيئة الأمم المتحدة لاتزال محاولات تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة بعيدة عما يجب أن تكون عليه حتى يصبح المناخ مناسبا لعيش الكائنات ولا يزال الدعم المقدم للبلدان الأكثر ضعفاً والمتضررة من آثار تغير المناخ ضعيفاً للغاية.

فقصة العدالة المناخية والتغير المناخي تستحق أن تروى وأن نضع لها نهاية كما نشاء بما يتناسب مع القيم والمبادئ الإنسانية. فهي دعوة للاستيقاظ.

المراجع:

بلهول،زكية(2017).العدالة المناخية.مجلة روافد للبحوث والدراسات(9)، 364-382.

جيلسبي، تود (2021).جدل المناخ المعقّد: هل ستدفع الدول الغنية فاتورة الأضرار إلى البلدان النامية؟ . استخلصت بتاريخ 26/6/2022 من:

https://www.asharqbusiness.com/article/27180



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سهير الخواجة Suhair Al khwaja

تدوينات ذات صلة