بالعقل والكسل نُكبِّل أحيانًا أنفسنا في سجن الحياة. وبالطّموح والعزيمة نطلق أسهم أفكارنا لتصيب أهدافنا. وهكذا نعيش...
نحن الآن في أحد السّجون وأمامنا سجين حكم عليه بالسّجن مدة عشر سنوات مع الأعمال الشاقّة وأراد مأمور السّجن أن يخفّف عنه عقوبته ويهوّن عليه فقدانه لحريّته في تلك الفترة، فلن يدعه ينظف أو يكسّر الصّخور أو أن يقوم بأي عمل من الأعمال التي يُكلَّف بها أمثاله. فكلُّ ما عليه فعله طيلة تلك السنين هو أن ينقل الماء الموضوع في وعاءٍ ما إلى وعاء فارغ موجود بجانب الوعاء الأول ثمّ يعيده إلى الوعاء الأصلي وهكذا حتّى نهاية اليوم وإلى نهاية فترة العقوبة.
قد تتعجّب من رأفة مأمور السجن وقلبه الحنون والعطوف على السّجين إلّا أنّني أراه شديد القسوة عديم الرحمة؛ فبفعلته تلك سيؤدّي بذلك السّجين إلى التّهلكة.
المغزى من الأعمال الشاقة في السجن هي تأديب السجين ومعاقبته على فعلته بكلّ ما سيعاني منه من الإرهاق الجسدي نتيجة تلك الأعمال. أمّا فكرة أنّ العمل سينتهي وسيرى السّجين ثمرة لجهده فهي رحمة من الله وحثًّا له على الاصطبار.
كلُّ الأعمال التي كان يقوم بها المسجونون توصلهم إلى شيءٍ؛ فما ينظّفه المسجون سيصبح بالحتم نظيفًا آخر اليوم، أي أنّه كان على يقين أنّ عمله سيوصله إلى شيءٍ ما على الرّغم من صغره وعدم أهميته.
عندما نلقي نظرة فلسفية على فعلة مأمور السجن سندرك أنّه عذّب السجين أصعب أنواع العذاب الّتي لا يستحقها أي إنسان، فقد انتزع منه ما يحيى به كلّ بني آدم ألا وهو الهدف.
الحياة دون هدف أمرُّ طعمًا من الموت، فالانتظار أساس الحياة؛ انتظار التّخرّج، انتظار النّتائج، انتظار المولود الأوّل، انتظار الحفيد الأوّل، أو حتّى انتظار انتهاء الدّوام. نجدنا دائمًا ننتظر؛ حتّى الإنسان البائس! تجده ينتظر حتمه دون إدراك ذلك. الانتظار نعمة حمانا الله بها من اليأس فلولا أنّ لنا في الحياة شيءٌ ننتظره لتمنّينا الهلاك كلّ يوم.
قدّر حياتك وارفع مكانتك ولا تترك أيّامك تضيع، فكلُّ دقيقة تمرُّ هي من عمرك وستحاسب عمّا فعلت بها وفيما أمضيتها. فالوقت رأس مال الإنسان والشّيء الوحيد الذي لا يمكن أن يخسره لأنّه بذلك يخسر نفسه و كما يٌقال "الزّمن الّذي نلهو به يلهو بنا".
الوعاء ونقل الماء يمثّل كلّ عمل غير مجدٍ نقوم به وكلّ قرار نتّخذّه دون تطلّع للمستقبل، أمّا أقسى السّجون وأمرّها وأطولها فهي ذات الأبواب المفتوحة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
"فالوقت رأس مال الإنسان والشّيء الوحيد الذي لا يمكن أن يخسره" تعبير صائب، ولكن من المؤسف أننا ما زلنا نضيّع وقتنا ولا نحسن استغلاله أبدًا...
"أقسى السّجون وأمرّها أطولها فهي ذات الأبواب المفتوحة"