هناك أشياء يصعب الحديث عنها، لكن أظن أن بعض محاولاتي قد نجحت في توضيحها.
في ليلة ما، سألت صديقة كاتبة، لماذا تكتبين؟
أجابتني: لأن الكتابة مؤلمة وألمها يشعرني باللذة.
ابتسمت حينها، وصمت.
الكاتب الحقيقى لا يقوم بالكتابة بغاية نشر أعمالهُ، بل لأن لديهِ أمرًا يودّ الإفصاح عنهُ.إنّ حاجة الكاتب إلى الكتابة توازى حاجتهُ إلى التنفس، وهو يستمر فى ذلك رغم أكوام رسائل الرفض من دور النشر، ورغم الأهل أو الزوجة الذين يقولون لهُ: لمَ لا تزاول عملًا حقيقيًا، أيها الأحمق؟.
إنّ الكاتب يكتب لأنهُ حال لم يفعل ذلك، فإن روحهُ تتضور جوعًا!.
فالكتابة تجعلهُ يُفرغ قليلًا من الأمراض والهموم التى تنهشهُ كقطيع من الضباع الضائعة؛ كل هذه الحمم البركانية المُلتهبة داخلهُ..الكلمات تضىء عتمة الروح.
لقدّ أرهقتنى الكتابة بما يكفى لكنّى مازلت أُعاند روحى، مستمرًا فى خوضها، تلك الرحلة مٌتقلبةِ المزاج عندما أتخبط داخلى بين أفكارى المُتبعثرة محاولًا التقاط واحدة منهنّ، وعندما أحصل عليها تهاجمنى وتلتهمنى حتى تُفقدنى القدرة على التوازن.
أنا أُدين بحياتى للكتابة لأنّى أظن أنها علمتنى كلّ شىء فى الحياة،
أكتبُ لأتحدث إلى نفسى، كي أرمم داخلى المهجور، أكتب من وإلىَ روحى فأنا المُرسِل والمرسَل إليه.فى كلّ مرة أكتب فيها أذهب فى رحلة بين طيات الورق، أسافر وأتجول بين الكلمات، فتُحلق روحى فلا زمكان خارج جسدى.
أتعرف إلى أشخاص جدد وثقافات أخرى، أُخاطب العلماء وأتسكع مع الفقراء فى الطرقات،
ففى الكتابة لا أملك جسدًا، الكلمات هى من تختار الجسد الذى تسكُنهُ، مرة أصبح عربيدًا ممسكًا الكأس بحانة وسط روما، ومرة أتعبد إلى ربى بمسجد فى بغداد أو بكنيسة، ومرة أتحدث مع امرأة بمقهى فى باريس، وكثيرًا ما أُصبح عابر سبيل أعبر بين هذا وذاك أتكلم وأصمت، أراقب وأنخرط وسط العامة، وفى نهاية رحلتى أصبح درويشًا ضّل الطريق، لكنهُ تعلم الكثير،
فأُغلق الورق وتعود روحى إلى جسدى، فيصبح جسدى الشىء الغريب.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
أكتب حين تنتابني رغبة بالبكاء فلا أجد دموعا تعبر هول ما يحدث في روحي... أنا أظن أحيانا ان الكتابة تدين لنا .. فكما تقول أمي " لو لا هذا الهراء الذي تكتبينه، لكنت بخير"...
لا يحتاج الى تعليق ...
صدقت فكل كاتب يحس بهذا الشعور