تشبث الشعب الفلسطيني بأرضه لا مساومة عليه، فهو كتنسم الحياة بالنسبة له.

صريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخيرة بشأن تسهيل خروج أهل غزة إلى دول أخرى كمصر والأردن، ليعيشوا بأمان وليتم إعمار غزة، لم تكن مجرد تصريح أو اقتراح قاله رئيس أكبر دولة في العالم، يردد فكر اليمين المسيحي المتصهين في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن "إسرائيل" يجب أن تبقى تمهيداً لنزول المسيح، كي يحكم العالم من تلك البقعة المباركة، التي بسببها اشتعلت حروبا و صراعات كثيرة بين أصحاب الأرض والغزاة القادمون من الجزء الآخر من العالم، فكلما جاءت قوة على مدى التاريخ وفي مراحل مختلفة منه إلى أرض فلسطين غازية، اشرأبت أعناقها إلى أرض فلسطين الطاهرة وصوبت أنظارها نحو السيطرة عليها، فمن امتلكها امتلك الهيمنة على الأرض بلا منازع. والسؤال الأهم: أين أصحاب تلك الأرض؟ هل صح القول أن أرض فلسطين كانت أرضاً خالية بلا شعب قبل مجيء دفعات اللاجئين اليهود من شتى بقاع العالم، ليستوطنوا أرض فلسطين والإدعاء أنها أرض بلا شعب! و أولئك الذين يقاتلونهم ما هم إلا لصوص جاءوا خلسة وسموا أنفسهم بأنهم أهل هذه الأرض، وأن فلسطين هي " إسرائيل" وعاد إليها أهلها اليهود!! والعالم وبخاصة الغربي منه لم يكن منصفاً بحق الشعب الفلسطيني بل وقف مع الاحتلال الإسرائيلي ودعمه بالمال والسلاح والدبلوماسية وتماهي مع فكرة أرض بلا شعب وروجوا لها عقوداً طويلة، هو ذاته اعترف بلسانه أن فلسطين كان بها شعب أصيل وهم الكنعانيون إلى ما يربو عن الخمسة آلاف عام، وقد وثقت منظمة اليونسكو للتراث ذلك، وهي إحدى مؤسسات الأمم المتحدة التي أسسها الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا وحلفائها.

حديث ترمب مع الأردن ومصر لاستيعاب الغزيين لحين إعمار القطاع، لم يكن صدفة أو تصريح عابر فالرئيس الأمريكي يدرك مقصده من عملية التهجير (الطوعي) الذي يتبناه الصهاينة في الكيان المحتل وعلى رأسهم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وأشباههم من الصهاينة، فهي فكرة تسعى الصهيونية العالمية ترسيخها ومن ثم تنفيذها كما حصل في العام ١٩٤٨، عندما تم تهجير آلاف الفلسطينيين بواسطة العصابات الصهيونية من أرضهم إلى دول الجوار، فحاولوا تكرار الحدث لكنها هذه المرة فشلت وانطلقت جموع الغزيين فالسيل الهادر نحو بيوتهم وأهلهم وأحبائهم رغم الدمار والخراب، سينصبون خيامهم فوق ركام منازلهم متحاملين على المعاناة والألم والقهر، عادوا لديارهم والأمل يحذوهم في إصلاح ما تبقى من دورهم وإعادة لملمة جراحهم وتجميع شتاتهم، هذا الرجوع الصغير و غداً الرجوع الكبير، عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أرضهم في العام ١٩٤٨، إلى حيفا ويافا وعكا وعسقلان والقدس، بصيص الأمل انبعث من جديد في قلوب فلسطيني اللجوء والشتات وإنها لمبشرات النصر المبين.

و من هنا سيذكر التاريخ الهلاوس التي راودت الذين أجرموا في حق فلسطين وأهلها باحتلال فلسطين وطرد أهلها، و سيعلمون أن العودة ليست مستحيلة ولكنها ستصبح حقيقة واقعة في يوم ما، وعلامة ذلك عودة أهل غزة إلى شمال قطاع غزة، وتشبثهم بأرضهم رغم الدمار والقتل والنزوح والتجويع، و أبواق الكيان المحتل الإسرائيلي انبرت لتعلي صوتها نحو هجرة أهل غزة (الطوعية) إلى دول الجوار إنما هو درب من دروب الخيال، وصورة عودة أهل غزة لأماكن سكناهم في الشمال، أبلغ رد على تصريحات ادارة ترمب الغير مسؤولة.

وعلى ذات المقلب إدارة ترمب تحاول أن تصيغ أفكاراً وتنثرها على أرض الواقع، على أمل أن تتلقفها الأيدي العابثة والقلوب الخائبة، لتضعها موضع التنفيذ، فهي ليست ببعيدة عن إدارة بايدن التي حاولت أن ترسخ فكرة التمدد الصهيوني على جميع أراضي فلسطين بالحديد والنار، فأعملت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في انتزاع فكرة تجذر الشعب الفلسطيني في أرضه بقوة الأمر الواقع، فأحبط صمود ومقاومة الشعب الغزي الفكرة ومنفذيها وسحقها. إنها مجرد مسألة تبادل الأدوار بين كل إدارة أمريكية و أخرى سابقتها، فكل يكمل دور الآخر لتحقيق مصالح وجني منافع واقتناص فرص وقبض أرباح.

على مدى تاريخ القضية الفلسطينية، حاول زعماء دولة الكيان المحتل و من يساندهم ويمولهم في الغرب، اقتلاع أهل فلسطين من تراب أرضهم، ظنوا أنهم نجحوا في اقتلاعهم حينما لجأ آلاف الفلسطينيين خارج بلادهم وقراهم و مدنهم، وما ذاقوه من أوجاع وعذاب اللجوء وامتهان كرامتهم وخسارة أحبابهم وأرضهم، لكن الأحفاد استوعبوا الدرس جيداً، لن يتكرر خروجهم من ديارهم مرة أخرى، ولن تمر مخططات طمس الهوية ومحو أي أثر للوجود الفلسطيني، لعل العالم الظالم يعترف بشعب أصيل عريق تمسك بتراب وطنه ورفض استبداله واستنشاق نسائم أرض بديلة.

سيسجل التاريخ تلك العودة التاريخية المهيبة لشعب فلسطين في قطاع غزة، وتبدد مشاريع التهجير ووهم أن الأحفاد سينسون أرض أجدادهم، وتأصيل فكرة أن فلسطين لأهلها ولا لأحد سواهم، ليسوا عابرين أو طارئين، فلن تكون قصتهم كقصة الهنود الحمر أو سكان استراليا ونيوزلندا الأصليين، أنه شعب مختلف تلاقح مع مراحل التاريخ المتعددة، لم يستطع أي مستعمر اجتثاثهم من أرضهم، أرض كنعان ومن قبلها الأجداد المؤسسين النطوفيين، رسالتهم هيهات التنازل عن الوطن الأبي العزيز.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خولة الكردي

تدوينات ذات صلة