"أنا أنثى كنت اتفادى الخروج الى الشارع لكي لا أتعرض للتحرش، لكن يبدو ان العالم الافتراضي بدوره لا يتوفر على بيئة امنة ضد هذه التصرفات"

أنا إيمان أرسلت لحبيبي صوري الشخصية بعد ان كنا نحب بعضنا البعض وكان بينا احترام متبادل ومودة كبيرة، لم اكن أظن ان تلك الصور يمكن ان تحدث مشكلة بعد انفصالنا، لكن فور ذلك أصبحت أتعرض بشكل يومي للتهديد بالتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه التهديدات عادت علي بأثار سلبية أثرت على حياتي النفسية، لم أتمكن بعدها من الخروج لمدة طويلة وبقيت في المنزل لا اعرف ما الحل، فكرت في كل أنواع الانتحار لكي لا أجد نفسي مضطرة للتوضيح أو التفسير...


أنا أسماء إنسانة خجولة، لا اتواصل كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي منطوية ولا أحب التدخل في ما لا يعنيني، فجأة أصبحت كل يوم أتوصل بعدد من الصور الخادشة للحياء وتسجيلات صوتية مبالغ فيها، وفي كل ليلة يتصلون بي دون توقف، وحتى وإن قمت بالتبليغ عنها كإزعاج، تصلني نفس الصور والتسجيلات من صفحة اخرى، لم أستطع تحمل الأمر كثيرا هذا ما جعلني امر من مرحلة اكتئاب وهلع من الافتراض...


أنا ماجدة أعمل في شركة مرموقة ما يزيد عن خمس سنوات، بريدي الإلكتروني أشاركه مع زملائي وزميلاتي في العمل فقط لأتوصل بالأعمال والمستجدات من خلاله، حتى بدأت تصلني من خلالها رسائل من مديري يتحرش بي ويرسل لي صورا لجهازه التناسلي وبعض الصور لمؤخرتي التي التقطها بهاتفه. انقلبت علي الدنيا رأسا على عقب، اذ وجدت نفسي بين متاهتين أن أستقيل حفاظا على كرامتي ام أصارع من أجل مستقبلي ومسيرتي المهنية...


أنا كوثر لدي عدد كبير من المتتبعين على مواقع التواصل الاجتماعي، أشارك يومياتي و سفرياتي بشكل دوري وانشر صوري وفيديوهاتي لمتتبعي. ساد حب متتبعي لسنوات، لتندرف دموعي وأعاني العنف الرقمي بكل جوانبه. انقلبت الاوضاع وقام بعض الأشخاص بإنشاء صفحات باسمي وتشويه سمعتي وهتك عرضي وابتزازي بكل الأشكال، صار نجاحي كابوسا مؤلما حتى غادرت بصفة نهائية كل المواقع لنسيان كل ما يجري، لكن لم يقف ذلك هنا فقط بل أصبحت اتوصل برسائل قصيرة على رقمي الخاص واتصالات كثيرة صباح مساء. بعد كل هذه الابتزازات أصبحت خائفة وعصبية واعاني من قلة النوم وارى كوابيس وأفكر في الهروب او الانتحار.


"أنا أنثى كنت اتفادى الخروج الى الشارع لكي لا أتعرض للتحرش، لكن يبدو ان العالم الافتراضي بدوره لا يتوفر على بيئة امنة ضد هذه التصرفات".


هذه بعض الشهادات من بين الكثير من النساء اللواتي تتعرضن للعنف على مواقع التواصل الاجتماعي بأشكال وطرق مختلفة. فقد عانت النساء ولا زلن يعانين من التحرش في الشارع لكن اليوم اصبحت تعاني طرق و أنماط جديدة منه، وذلك نظرا للثورة الرقمية التي عرفها العالم خلال السنوات الاخيرة ، التي أتاحت إمكانية ولوج العالم الرقمي لجميع الشرائح الاجتماعية وأصبحت تستعمل بشكل سلبي جعل موضوع العنف يسلك طرقا أكثر حداثة .


العنف الرقمي:

يعرف العنف الرقمي بأنه استخدام تكنولوجيا المعلومات و الاتصال من طرف شخص ما لألحاق الضرر بشخص آخر سواء عاطفيا ،معنويا، نفسيا، جسديا أو جنسيا باستعمال الهواتف الذكية ، الشبكات العنكبوتية، منصات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني، ويتخذ العنف الجندري او الرقمي عدة أشكال منها التهديد بالعنف الجسدي والجنسي، المراقبة والتحكم الإلكتروني للنساء، القذف والسب الالكتروني، المضايقة والتحرش الجنسي، التقاط تسجيل أو بث للنساء أثناء تواجدهن في الفضاء العام دون موافقتهن والتشهير والإهانة وتزوير البيانات وأكثرها انتشارا هي الابتزاز المادي أو الجنسي خوفا من إعادة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، كما له اثار نفسية واجتماعية واقتصادية ومادية وخيمة.


لكن الهدف هنا ليس التعرف على مفهومه بل كيف يمكن لكل امرأة ان تبلغ على العنف الرقمي بعد التعرض له؟ وما هي الطرق والسبل لتشجيعهن على التبليغ طبقا للترسانة القانونية التي تحمي الاشخاص من التعرض للعنف وتعاقب كل مشتبه في تورطه في أية قضية في هذا الإطار، سواء في القانون الجنائي أو القوانين المتعلقة بمحاربة العنف ، وكذلك حماية المعلومات الشخصية.


ففي المغرب، أصبحت الهيئات والجمعيات الحقوقية تتابع هذه القضايا خصوصا بعد فرض الحجر الصحي في البلاد، اذ ارتفعت نسبة الشكايات بالعنف الرقمي الى ما يقارب 25 بالمئة في اليوم، اي واحد من أصل اربعة من النساء يتعرضن للعنف الرقمي يوميا، إضافة إلى أن السلطات الامنية في المغرب فتحت الباب أمام كل شخص تعرض لأي نوع من العنف الرقمي وذلك بتخصيص مصلحة خاصة بالعنف الجدري لمعاينة والتكفل بمثل هذه الشكايات.


إن التبليغ عن العنف الجدري في المغرب ليس بذلك التعقيد الذي يقال عنه، بل يجب على كل شخص تعرض لهذا النوع من العنف ان يتبع المسطرة القانونية لإثبات هذه الجريمة وذلك من خلال جمع الصور والفيديوهات والرسائل التي تم التوصل بها من طرف المعنف ووضعها لدى المفوض القضائي ليقوم بتعيينها وإنجاز محضر موثوق لا يمكن الطعن فيه. كما ان مسطرة المفوض القضائي بالمغرب لها أهمية كبيرة جدا لأنه يمكنه توثيق وتحديد حجم الضرر الذي لحق بالضحية بسبب هذا العنف الإلكتروني كحين نشر صور شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، آنذاك سيتم الوقوف عند عدد الأشخاص الذين تبادلوها وكذا الذين وضعوا رمز الإعجاب بها وإلى غير ذلك...


ولكي لا تندثر الأدلة، ينبغي على كل واحد تعرض للعنف الجدري ان يقوم في اللحظة ذاتها بالتقاط شاشة الهاتف او ما يسمى ب "سكرين شوت" وتقديمها للمصالح الامنية المكلفة بالعنف الرقمي، وهذا سيوفر للنساء وللجميع الحماية الضرورية ضد العنف الرقمي.


لابد لكن عزيزاتي أن تتحلين بالشجاعة والقوة وأن تبلغن عن كل ابتزاز او تشهير وتعنيف لفظي أو لغوي تعرضتن له عبر الأنترنيت، وأن تضعن الأمل في القوانين التي تجرم هذه الأفعال، لكي تعيشن الحياة بنفسية مطمئنة وهادئة.

خديجة العمريش



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف وعي

تدوينات ذات صلة