تحليل لفكرة الشعور بالذنب لدى الإنسان وتقبله لفكرة الخطأ؛ هل يتخلص الإنسان حقًا من عقدة الشعور بالذنب؟

تبدأ هذه الرواية بأحد أبطالها واقفًا فوق رجل لا بد وأن يقتله.. لكنه لا يستطيع؛ ففكرة القتل، أن يسلب شخصًا ما حياته أصابته برعب لم يستطع استيعابه. فشعر باليأس لعجزه عن اتخاذ قرار.


"ظل يقول لنفسه بأن ذلك الرجل لا بد وأن يموت. الأمر بأكمله يدعو للسخرية، فهو يعرف أنه سيقتله؛ سواء كان سيُقبض عليه أم لا، سيدفع غرامة أم لا، لم يهمه شيئًا. لم يعد أي شيء يهمه بعد الآن سوى تلك القدم، ذلك الرجل الذي لا بد وأن تشله ضربته قبل أن يقاومه: لا بد وأن يقضي على أي مقاومة تصدر منه، وإلا سيصرخ وستفشل المهمة".


خلفية هذه الرواية – مصير الإنسان لأندريه مالرو - هي الانتفاضة الشيوعية التي فشلت عام 1927 في شانغهاي، الصين. أبطالها أربعة، جميعهم على استعداد للموت من أجل فكرة. لكن الانتفاضة ليست هي الأساس، بل هي المشاكل الوجودية لكل واحد من الأبطال الأربعة في الرواية.


وأكثرهم صراعًا مع الذات هو "تشينغ"، الذي تبدأ به الرواية وهو ممزق بين قتله لرجل آخر وبين أن يتركه يكمل حياته. سيطر عليه الذعر، شعر وكأنه وحيد مع الموت؛ وحيد في مكان مهجور من البشر. ذلك الرجل الذي نقابله للمرة الأولى ونجد ضميره يؤنبه لأنه أخذ حياة إنسان آخر، يتحوَّل تدريجيًا.. يتقبَّل الموت تدريجيًا ويؤمن بأن الموت ضروري لكي تنجح انتفاضتهم المسلحة. فهو يتحوَّل من الشعور بالذنب، كما نرى هنا بعد أن قتل الرجل "ملأ رئتيه بالهواء على سعتهما، وشعر وكأنه يعود للحياة من جديد بشعور أبدي من الامتنان. أراد أن يبكي، وعاد ليشعر بالاضطراب الذي سيطر عليه قبل أن يقتل الرجل".


العبقري في هذه الرواية هو التحول الملحوظ والتدريجي للقناعات والمشاعر الشخصية التي تمر بها هذه الشخصية. وهو ما جعلني أؤمن بمدى أهمية أن يكون المترجم صاحب خبرة أدبية كبيرة عند الترجمة. ففي اليوم التالي، وبعد أن بدأت الانتفاضة المسلحة، وبعد أن رأى كيف يموت الرجال ويُحرقون بكل بساطة، وأنه هو ما زال على قيد الحياة، فكر بأنه كم كان غبيًا لسماحه لمشاعر الندم والخوف من الموت بالسيطرة عليه؛ "فلا شيء أبسط من القتل".


ولكن، هل هذا حقًا ما حدث؟ هل حقًا فكرة الموت أو القتل بسيطة؟


لا، إنها ليست كذلك، فهو لم يتخلص من الكوابيس مهما أقنع عقله الواعي بأنه حقًا لم يعد يشعر بالذنب.. "إن النوم يعني الكوابيس، والاستيقاظ هو وسيلته للشعور بالسلام؛ لكنه يلقي به في صخب العالم".


يمكنني أن أكتب في النهاية، أن الإنسان قد يتخطى جميع الحدود من أجل فكرة يؤمن بها، لكن الذنب الذي يسيطر عليه لارتكابه ما سيرتكب سيتخطى في قوته أي فكرة أو مبدأ يؤمن به الإنسان، وسيظل ذلك الشعور بالذنب يسيطر عليه ليلًا نهارًا.

هدى فضل

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هدى فضل

تدوينات ذات صلة