دموعٌ تترقرق في محجريه وهو يسترسل بحديثه عن وطنٍ قد ضاع منهم,



دموعٌ تترقرق في محجريه وهو يسترسل بحديثه عن وطنٍ قد ضاع منهم، حزنٌ قد بان واضحًا في نبرة صوتهِ وحشرجتهِ أثناء التكلم، لم يرد الخوض كثيرًا عن حياته واكتفى ببعضِ تلخيصاتٍ بسيطةٍ اوفت وشرحت تعبًا وألمًا قد عاشه وعاناه خلال سنين عمره، إنه جدي اللاجئ الفلسطيني البسيط، جدي الذي تقاذفته الحياة وهمومها وأرست به السفن لشواطئ اللجوء مُرٌّةِ المسكن. تجاعيدٌ تروي الكثير والكثير من حكاياتٍ لم يَبُح بها، كل ندبةً في جسده تحمل قصةً قد سطرت توقيعها هناك، تقاسيم وجهه ودت لو تصرخ لِتُصرِّحَ عن آهات وكلمات مكبوتة، عن همومٍ تجمعت لتحط الرحال في جوفه وتزيد ألم غربته وبعده عن ارضه. خرج منها مع ثلاثةٍ من أبنائه أصغرهم لم يكمل شهوره الستة بعد وأكبرهم كان بعمر ثلاث سنوات أو أصغر بقليل!حلب العنزات ووضع ما استخرجه بابريقٍ، الجد: "كي لا يجوع الصغير أثناء الطريق" . الجدة: "لا تستهلكها كلها قد نعود ولا نجد ما نستخرجه منها، إجلب على قدر حاجة الصغير." خرجوا من أرضهم وحبيبتهم لينقلهم الباص لمنطقة تدعى الشريعة تقع بين فلسطين والأردن -وإن كانت أقرب للاردن منها لفلسطين أو أنها تقع داخل حدود الاردن فمعلوماتي حولها ضئيلة-ومنها قد تنقلوا بسيارة الأجرة للمنطقة التي نسكن فيها الآن، استأجروا غرفةً صغيرةً جدًا لا تحوي أثاثًا او متاعًا ليستقروا بها إلى حين، لكن الأقدار شائت الا يعودوا إلى ديارهم أبدًا وقد خلَّف ذاك في صدورهم جرحًا لا يلتئم! اشترى الجد بطانيةً ولحافًا للصغار عله يساعدهم بالنوم لوقت رجوعهم، ليتفاجأ باليوم التالي بصديقٍ له قد نقل مَتاعه كله بعد فتح الحدود للعبور خارجها! توالت السنين عليه تسقيه من العَلقم الكثير، حتى أنها لم تكتفي بألم بعده عن أرضه لتأتي صدمةٌ أخرى أهلكته، فقد مُنعَت عنه زيارة فلسطين؛ لكونه لا يملك الهوية الصهيونية القذرة! وظل حلم التكحل بالحبيبة يراوده ليومنا هذا. شقي كثيرًا ليبدأ بالعمل وبناء مستقبل أبناءه الجديد في ارضٍ جديدة، لم يترك نوع عملٍ إلا وقد جربه وذاق منه كثيرًا، كل الأعمال التي قام بتجربتها كانت لا تكفي لغير سدَّ جوعه وجوع عائلته، ورغم الغرفة الصغيرة التي كان يقطنها معهم، ولا تكاد تسعهم، الا أنه كان دائماً حامدًا لله شاكرًا له، يتضرع إليه في كل وقتٍ ويدعوه أن يعودوا لأرضهم، ويمُنَّ عليهم برؤيتها، إلا أن أمانيه قد حطمت، وأحلامه تساقطت أمام ناظريه حينما جاءه خبرٌ نزل على قلبه كالصاعقة، أرهق كاهله واستهلك من روحه الكثير، أرضه التي تركها رغمًا عنه، ويدعو الله دائمًا بالعودة إليها أصبح لا يملك فيها إلا خَياران أحلاهما مرٌّ لا يستساغ طعمه، فإما أن يبيعها سريعًا لمن يقطنون داخل الحدود أو أن يسلبها اليهود منه، فقرر بيعها وهو مكرهٌ على ذلك، لكن الاقدار شاءت! لم تجلب الكثير من المال لكنه استطاع به شراء قطعةٍ من الأرض وإن كانت صغيرةً ليبدأ بتأسيس بيتٍ له فيها.كبر جدي وكبرت همومه معه وحلمه بالعودة ورؤية الأرض مازال يلح عليه كثيرًا.


بقلمي #هبة_عبدالحميد_العقيلي

Heba aloqaili

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Heba aloqaili

تدوينات ذات صلة