أشد مشاعر الحزن والألم اجتمعوا في جوفه، فعاد كالجسد بلا روح يجر أذيال خيبته خلفه.
منتشٍ من الفرح، معمورًا بالحب، يهرول في الشوارع بحثًا عن هاتفٍ عمومي لِيَزُفَ عشقًا لم يخمد، وهيامًا في القلب امتد. يحمل وردةً جوريةً تعبيرًا عن مكنونات فؤاده التي غالبًا ما يفشل بالإفصاح عنها في حضرة عينيها، فهو ينسى نفسه بوجودها، يودُّ لو يعيش عمره متأملًا أناقتها وروعة مبسمها وسحر جمالها، غالبًا ما تخذله الكلمات حينما يريد إخراجها، فيعود لصمته ولغة عينيه التي كانت خير معبرٍ عما يجول في خلده، لكنه الآن يحمل جرأةً ستمكنه من البوح ونقل مشاعره إليها، سيستطيع وأخيرًا تحرير كلماته من أسرها لتحلق نحو أذن حبيبة الفؤاد وسالبته،
رفع السماعة في يده والأخرى كان يمسك فيها الوردة بشدة وكأنها ضمان حبه لها، جاءَ صوتها رقيقًا كنسمات هواء الصباح، ودَ لو يتوقف الزمن هنا، لو أن كل من في الكون يتلاشى ليبقى هو وصوتها فقط، استدرك شروده فألقى السلام عليها وكان سيبدأ بالحديث لولا مقاطعتها له فجأة وكأنها أدركت ما ينوي البوح عنه، لتسرع قائلةً: أرجوك لا تعاود الاتصال بي مجددًا، أتمنى منك أن تبتعد عني تبحث عن حياتك، لا أريد أن يكون هناك صلةٌ بيننا، فأنا ها قد وجدت حياتي، وأسلك طريقي الجديد بدونك وأغلقت. وكأنها أغلقت معها كل أبواب العالم، كأن الأبواب بدأت تطبق على صدره، كيف سأبحث عن حياتي وها انا قد فقدتها للتو حتى قبل أن تبدأ؟ عما سأبحث أخبريني؟! وضع الوردة فوق سماعة الهاتف وكأنه يقول دع الوردة تذبل هاهنا كما أذبلت حبنا هنا، أصيب بدوار شديد، العالم أصبح أسود اللون قاتمًا، طعنته بخناجر حادةٍ دون علمها، مزقت قلبه وأزهقت روحه، أشد مشاعر الحزن والألم اجتمعوا في جوفه، فعاد كالجسد بلا روح يجر أذيال خيبته خلفه.
#هبة_العقيلي
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات