هل نعيش الآن في أفضل أم أسوأ فترة عرفها التاريخ البشري؟ و لماذا نميل إلى الحنين إلى الماضي أكثر من التطلع إلى المستقبل؟
عندما يتحدث أحدهم عن جمال الماضي ويحن إلى بعض تفاصيله مثل الهاتف بقرص دوار (مانفيلا)، التلفاز ذو ال٣ قنوات فقط، الراديو بقنواته الغابرة، سيارات الرولز رويس وغيرهم، أتفهم أن هذا بدافع الحنين لذكريات مضت، وليس حباً في الأجهزة ذاتها.
ولكن قد يتطور هذا الحنين إلى رفض كل ما هو جديد بحجة أن التكنولوجيا مدمرة.يقولون أن التكنولوجيا قد أدت إلى انعزال البشر عن بعضهم و زيادة نسبة الكسل الذهني و البدني، فهل هذا صحيح؟
بالطبع لا نلومهم على ذلك فجزء من اعتقادهم صحيح فعلاً، و لكن...
يجب أن نفهم أن لكل فترة زمنية عيوبها و مميزاتها، و لكن عقلنا البشري يميل للأسف إلى تذكر مميزات فترة معينة فقط بعد انقضاءها و ليس أثناءها.
يجب أن نعي كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها تقريب المسافات بين أشخاص ربما لم يتح لهم التقابل لعدة سنوات، عن طريق قدرة خدمة مثل فيسبوك على رصد المعلومات المشتركة بينك و بين غيرك ( مثل المدرسة أو الكلية التي جمعتكما معا يوماً ما- أو المدينة التي سبق و عشتما فيها).
أو قدرة خدمة مثل واتساب على تمكينك من التواصل اليومي مع أحبابك بصورة لم يسبق لها مثيل، حيث كان الناس يعتمدون على الهاتف أو الرسائل البريدية خاصة إذا كان الشخص الآخر في دولة أخرى. الآن يمكنك أن تتحدث إليه وتصور له حياتك اليومية (أكلة تناولتها أو مكان معين أعجبك أو موقف طريف قام به أحد أطفالك).
لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للكثير من الناس فرص عمل هائلة من المنزل كما أتاحت لهم طرق لم يسبق لها مثيل في التسويق لمنتجاتهم، وظهرت علوم التسويق الالكتروني وانتشرت في عدة منصات.
ولا تغفل كذلك مواقع البحث عن عمل، والتي ضربت الطرق القديمة للبحث بعرض الحائط، حيث أنك يمكنك عمل ذلك وأنت في المنزل ترتدي البيجاما، دون أن تضطر للتأنق والنزول لزيارة الشركات حاملاً عدة نسخ من سيرتك الذاتية تحت إبطك.
ناهيك عن منصات الوسائط مثل يوتيوب وتطبيقات البودكاست Podcast التي تتيح للجميع تسجيل تجاربهم، تعليم الآخرين او عرض أي شيء في أي مجال بشكل مجاني.يمكنك الآن أن تقوم بتنزيل ما يعجبك من مقاطع البودكاست وتقوم بسماعها في أي وقت، أثناء قيادة السيارة أو أثناء التنظيف.
ولذلك ذهلت عندما أعلن من فترة عالم الأنثروبولوجي الشهير يوفال نوح هراري كاتب كتاب sapiens وهو من أكثر الكتب مبيعاً، أنه لا يمتلك هاتفاً ذكياً... أيعقل لمن يكتب كتاباً عن تطور الإنسان بهذا الجمال وهذه الدقة، ألا يتابع أحدث ما وصل إليه البشر من اهتمامات، ولا يتابع أحوال الناس وميولهم وموسيقاهم وصرعاتهم trends وما يضحكهم وما يبكيهم وما هي أكثر الكتب شراءاً أو الأغاني سماعاً أو المسلسلات مشاهدة ؟!
الجمال موجود في كل مكان، وعلينا أن نقوم نحن بعملية البحث عنه حتى لا نصاب بالتعاسة. يجب أن نفهم مميزات الفترة التي نعيشها الآن لكي نستفيد منها لأقصى درجة، ونكف عن التحسر على زمن لن يعود.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات