كلنا نعرف الدب بو...و لكن هل كلنا يعلم أن تصرفات بو البسيطة ماهي إلا تطبيق لفلسفة صينية قديمة؟

صادفت منذ عدة سنوات كتاباً اسمه The Tao Of Pooh طاوية الدب بو، ولم أكن أعلم وقتها ماهي الطاوية، ولكنني بالطبع أعرف الدب الشهير بو.

قرأت الكتاب بتحسب في البداية، ولكن عندما تعمقت فيه، وجدته من أجمل الكتب التي قرأتها في حياتي.

رغم بساطة بو التي نعرفها -حيث أنه دب محدود الذكاء، جائع بشكل مستمر خاصة لطعامه المفضل (العسل) ومحب لكل أصدقائه خاصة صديقه الولد الطيب كريستوفر روبن – إلا أن بو يحمل في طيات تلك البساطة عمق فلسفة شرقية قديمة تدعو إلى العفوية والتواضع ، وهي الفلسفة الطاوية. مما جعله أكثر شخصية بين حيوانات الغابة قدرةً على حل المشاكل بدون بذل مجهود ذهني كما يفعل صديقه الأرنب، أو يتباهى بمعلوماته كما يفعل السيد بومة، أو يخاف و يتردد مثل الخنزير الصغير بجليت، أو يقفز و يملأ الدنيا صخباً مثل النمر، أو يقلق و يكتئب مثل صديقه الحمار.

الكتاب عبارة عن حوار تخيلي بين الكاتب بنجامين هوف والدب بو، كتب بتلقائية ورشاقة تساعدك على الفهم دون مجهود، ويهدف الكاتب من خلال ذلك الحوار البسيط (الفكاهي أحياناً) إلى نقد الاعتقادات الغربية السائدة في مجتمعه التي تقدس الإنجاز والوصول لأعلى الدرجات على حساب السلام النفسي والقيم الشخصية.ربما لاحظت أن معظم الناس يتعاملون مع الحياة كأنها سباق محموم، وسعي مستمر للإنجاز والتفوق والبروز. قد يبدو هذا في نظرهم اجتهاداً، و لكنه يلتهم -دون وعي منهم- من استقرارهم النفسي و يؤدي إلى ظهور مشاكل نفسية كالتوتر والقلق، و مشاكل أسرية عديدة لم نألفها من قبل. هنا يأتي دور الطاوية.

الطاوية فلسفة صينية قديمة – قبل أن تتحول إلى ديانة رسمية - يمكن أن تتبع فلسفتها التي تدعو إلى التصرف بطبيعية و عفوية أيا كانت ديانتك. وقد سعى علماء الطاوية إلى تشبيهها بالماء من حيث:

1- يتدفق الماء دائماً إلى المكان الأكثر انخفاضاً، وفي هذا تواضع يناقض الطبع الغالب بالغرور والرغبة في الظهور في المكان الأكثر بروزاً. لذا فالماء يمثل التواضع العفوي الغير متكلف للإنسان الطاوي.

2- عمق الماء لا يمكن معرفته بمجرد النظر إليه من بعيد، ولكن بالولوج فيه، وكذلك يجب أن يكون الإنسان الحكيم، بألا يرهق الناس بأفكاره العميقة من أول لقاء معهم، وليتعامل معهم ببساطة وتلقائية تمكنهم من اكتشاف أعماق شخصيته بنفسهم تدريجياً من خلال معاشرته.

3- عندما يتدفق الماء، ينشر الخير في كل مكان بدون حدود...ينبت الزرع، ويسقي الحيوانات والناس، بدون شروط. كذلك يجب أن يكون عطاء الإنسان لغيره، سخياً بدون انتظار المقابل.

4- عندما يكون سطح الماء هادئاً غير مضطرباً، فإنه يعكس صورة البيئة المحيطة به كالمرآة بدون أي تشويش. كذلك تعلمنا الطاوية أن نصفي أذهاننا من التوتر، القلق، الرياء وغيرها، حتى تبدو الحقيقة للإنسان واضحة بدون شوائب ناتجة عن تحيزه وهواه الشخصي، فيرتاح الناس إليه ويحترمونه ويثقون في كلامه.

5- يتدفق الماء في كل مكان دون انتقاء أو تمييز، وهنا يتعلم الإنسان المساواة والتعامل مع الجميع بنفس القدر وبعدل دون تمييز بهوية أو وظيفة أو دين أو لون بشرة.

6- يتدفق الماء كذلك متجاهلاً أي عقبات تواجهه، فإذا واجهته صخرة مثلا فإنه يلتف حولها ويكمل مساره بمنتهى اليسر، وهنا يعلمنا الماء المرونة في التعامل مع عقبات الحياة، فعلى الإنسان تقبل تلك العقبات واحتواءها ومحاولة تجاوزها دون إنكارها أو الشعور بنفسه كضحية لها.

7- يظهر الماء طبائع مختلفة حسب الوقت من السنة، فيمطر أو يتحول إلى ثلج في أوقات معينة حسب احتياج الطبيعة إليه وليس طوال العام، وهنا يتعلم الإنسان أن يتصرف التصرف المناسب في وقته المناسب.

قد يسيء أحدنا فهم المعنى الحقيقي للطاوية ويفسره بأنه دعوة للكسل ونبذ الاجتهاد. بالطبع هذا اعتقاد خاطئ تماماً، لأن الاجتهاد يجب أن يكون بالتوافق مع احتياجاتك النفسية الأخرى ولا يناقضها. يجب أن يتناغم عملك مع قلبك فلا يكون كواجب ثقيل تفعله يومياً لكسب المال على حساب علاقتك مع الله أو نفسك أو زوجتك وأبنائك. يجب أن يفهم كل منا طبيعته المميزة ويحاول أن ينجح بالتفاهم معها وباعتدال بدون تعب مبالغ فيه، حتى يصفو ذهنه وتزيد حكمته تماماً مثلما فعل الدب بو بدون قصد منه.

حنان طبق

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

فلسفة رائعة
جزاكي الله خيرا على المقال
جدا استفدت منه

إقرأ المزيد من تدوينات حنان طبق

تدوينات ذات صلة