حكمة إلهية عظيمة وضعت ألسنتنا في أفواهنا وعلّبتها.

من عجائب الإبداع الإلهي أنه وضع لساننا داخل أفواهنا، أي علّبه، إلا أنه أبقى آذاننا مفتوحة باستمرار. وأعتقد أن الرسالة واضحة هنا بالطبيعة: تكلّم أقل واسمع أكثر! وهنا لا بد من بعض الأقوال المأثورة التي تُغني المُدوّنة وتؤكد رسالتها:

لم تُعطَ مع أذنيك نطقاً واحداً إلا لتسمعَ ضعفَ ما تتكلما

جراح الطعان لها التئام .. ولا يلتئم ما جرح اللسانُ

لساني وسيفي صارمان كلاهما .. وكان لسيفي أشوى وقعةً من لسانيا

جرحُ السيفِ تدمله فيبرا .. ويبقى الدهرَ ما جرح اللسان

باعتقادي أن أكثر ما نحتاجه في حياتنا اليوم هو مهارة الإصغاء وهي ومع الأسف أقل مهارة نستخدمها. في واقع الأمر، إن أفضل أنواع المحادثة هي تلك التي نُصغي فيها أكثر مما نتكلّم.

هل تعلم أن ٩٠٪ من المعلومات نحصل عليها بالنظر والاستماع؟ وهل تعلم أن ٤٥٪ من تواصلنا عبارة عن إنصات؟ هل تعلم أنَّ متوسط عدد الكلمات التي يلفظها الشخص العادي في الدقيقة الواحدة هو ١٥٠ كلمة وأن متوسط عدد الكلمات التي يمكن للشخص أن يسمعها في الدقيقة الواحدة هو ألف كلمة؟ وهل تدرك أن أفضل أنواع الحمية هو الاستماع الفاعل إذ يجعلك تخسر سعرات حرارية؟ فلنُقيّم استماعنا اليوم بالأسئلة الانعكاسية التالية: هل أسمع لأتعلّم أم أنتقد؟ هل أسمع لأعرف الحقائق التي تهمني أم أسمع لأشبع فضولي؟ هل أُنصت أتعاطف أم لأحلل وأصدر أحكامي؟ وهل أسرع في تقديم النصيحة كوني العارف بكل شيء أم أصمت احتراماً للمتكلم؟ أصدقائي، استمعوا لتفهموا، أصغوا لتتعلموا، اسمعوا لتقرأوا بين السطور، أنصتوا لتتعاطفوا وتصبروا، استمعوا لتحموا أنفسكم من الوقوع في متاهة التسرّع في الكلام. استمعوا بدون مقاطعة! استمعوا بدون أحكام! استمعوا بدون تجاهل! اسمع وتفاعل، اسمع بعينيك وليس فقط بأذنيك! اسمع وتطلّع في عيني المتكلّم. وتذكر أن الإنسان الناجح هو الذى يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم.

كلمة أخيرة في اللسان: إن أول خطوة نحو الاستماع الفاعل هي إغلاق الفم ووضع اللسان في مكانه السليم، في عُلبته وإبقاؤه على "الوضع الصامت".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جيل اليوم يتحدثون ولا ينصتون.. موضوع موفق

إقرأ المزيد من تدوينات د. سهيل جوعانه

تدوينات ذات صلة