نتحدّث عن لدغة العقرب ونخاف منه ولا ننتبه إلى عقارب من نوع آخر يهتمان بالوقت. وكم من لديغ يعاني من قرصة إضاعة الوقت!
عندما نتحدّث عن العقرب يخطر ببالنا لدغة مؤلمة وسم مميت. وفي بعض الأحيان يرِدُ إلى مُخيّلتنا أناس تسببوا في أذيّتنا ونتجنّبهم في حياتنا. نفكّر في ذلك الغدّار الخائن الذي طعننا من الخلف. ثم تبرز أمامنا أمثالُنا الشعبية مثل "عند العقرب لا تقرب"، وتتضح أمامنا حِكَمٌ مأثورة مثل "العقارب التي تلدغنا في الخفاء تُثبت غفلتنا والعقارب التي تلدغنا في النور تُثبت غباءنا". والسؤال الجدير هنا: مَن منا عندما يسمع كلمة عقرب يفكر في عقارب الساعة؟ باعتقادي ليست صدفة أبداً أن الذي يدُلّنا على الوقت في الساعة هو عقرب صغير يهتم بستين دقيقة مقابل ذلك العقرب الكبير الذي لا يهتم إلا بدقيقة واحدة. إنها العقارب الوحيدة التي لا تلدغ ولا تسمّم ولا تغدر. لكن الذي يلدغ هو الوقت الضائع ما بين العقربين. إنها الدقائق اللي تذهب سُدى. وهل يوجد أسوأ من غدر الزمان! وبرأيي هذا الغدر من صنع الإنسان لا مشكلة الوقت والزمان. وهنا يخطر ببالي كلمات الإمام الشافعي:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
أصدقائي، لا يوجد أكثر إيلاماً من سم لدغة إضاعة الوقت، لدغة التأجيل، لسعة المماطلة، قرصة الأولويات الضائعة والمختلطة. الدقيقة التي تمضي لا ترجع، ولا نستطيع أن نستعير من دقائق الغد. لذلك نحن بحاجة أن نستغل الدقيقة المتاحة بين إيدينا، الآن.
لن تقدروا أن تديروا الوقت الموجود بين هذين العقربين، لكنكم تستطيعون أن تديروا حياتكم لتسير ضمن إيقاع هذا الوقت، مع كل "تكّة"، وأن تستغلّوا الدقائق المحسوبة عليكم ضمن عداد الوقت المفتوح، وبطريقة ذكية. لربما يكون هذا أهم استثمار يمكننا أن نقوم به اليوم في حياتنا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات