في زمن اختلطت فيه المفاهيم وتشوهت فيه المعاني تسقطُ الأقنعة ليبان للعالم زيفُ ما يحاولون اقناعه به.
هل نحن ضحايا العولمة ؟ أم أننا جُهالُ لا نعلم حقيقتها؟ ما هي العولمة أصلاً؟ من ابتكرها؟ من صاحبها ؟ من الذي روّج لها ونشرها؟ هل هي ديمقراطية راشدة تعني الحفاظ على حرية الإنسان وكرامته والإنصاف في التعامل مع جميع المواطنين، الديمقراطية التي لن تسمح لأن يحصل الأرستقراطيين وأصحاب النفوذ والمصالح على امتيازات أو حقوق تفوق ما يحصل عليه غيرهم؟ وماذا عن دعاة وأنصار الرأسمالية المتحررة التي تفرضها الدول العظمى وتحتكر فوائدها لنفسها دون الكثيرين؟من يقود لعبة العولمة اليوم؟ ومن يحكم العالم بأسمها وبأسم الحرية و الديمقراطية؟ كيف تغيرت المصطلحات ومتى باتت الكلمات تخدم أصحاب القوة والنفوذ والسلطات؟ متى أصبحنا گ الدمى تعبث بنا دول العالم الأول حتى بتنا في صف الدول المتأخرة هذا إن كنّا نخضع لمقاييس التصنيف أصلا ؟ هل ما نعيشه من تشتت وزمن صعب وحضارة متدنية هو عولمة؟ هل ما تعيشه أوطاننا من حروب وسفك الدماء وقتل وترهيب هو عولمة؟ هل كل اولئك المهجرين كان من رافضي العولمة فتمت معاقبتهم على رفضهم؟ هل الفقر والموت والمرض عولمة؟ هل تدني الأخلاق وضياع المبادئ والأسس والقيم عولمة؟ هل إجهاض الحلُم قبل الولادة عولمة؟ هل قتل الأفكار واستباحتها عولمة ؟ هل جعل البشر گ الدواب يتبعون القطيع هي جزء من العولمة؟ هل الأسرة المفككة وأطفال الشوارع وغربة العائلة الواحدة عن بعضها خطةٌ لتُنشر العولمة؟ هل احتلال الدول ونهب خيراتها وجعل أبنائها يعملون بالأجر فيما يملكون هي عولمةٌ يجب أن نتقبلها ونرضى بها ونعمل لأجلها؟أي عولمة هذه التي تسلبُ الإنسان إنسانيته، أي عولمة التي تقضي أن تستبيح شعب ليعيش آخر، أي عولمة هذه التي لا تخدم إلا مصالح الدول الكبرى، أي عولمة هذه التي تستبيح كرامة الإنسان وفطرته ومبادئه وقيمه وما عاش وتربى عليه، أي عولمة هذه هي طوفان لا يحمل إلا الدمار وتغييرات ما قبلنها إلا أنها فُرضت علينا، نحن لا نرفضُ التقدم ولسنا ضدد الإنفتاح والحضارة ولكن أي شكل ستكون عليه هذه الحضارة التي تفتقد القيم والأخلاق والمبادئ، نحنُ نرغب بالتقدم ونحبُ العلم ونعشقه ونسعى لطلبه ولكن منذ متى بات العلم سلاح للقتل والإستباحة والظلم، نحن لسنا ضدد التطور الإقتصادي ولكننا ضدد محاربة الناس بلقمة عيشها، نحن لا نرفض أن نكون في صفوف الدول المتقدمة ولكننا لا نرضى التقدم بوسائل غير نظيفة فنحن لسنا من مؤيدي الغاية تُبرر الوسيلة، نحن لسنا ضدد أن نكون ممن يملكون قوة عسكرية وأسلحة قوية ولكننا ضدد أن تكون هذه القوة و الأسلحة وسيلة لنقتل ونُدمر ونعيث بالأرض خراب، نحن أيضا نحب أن نُكرم في المحافل الدولية ولكننا لا نقبل أن نُكرم لأننا إبتكرنا سلاحا قادر على أن يُبيد العالم، نحن نريد أن نُكرم على إختراع شيء يخخف عبء إنسان، نريد أن نُكرم على إيجاد دواء لوباء يفتك بالعالم ومرض يقتلُ دون رحمة ومريضٌ يأن من الألم دون صوت، نريد أن نكون في صفوف الدول المتقدمة لكن دون أن نتخلى عن إنسانيتنا، دون أن نتنازل عن مبادئنا وقيمنا، نُريد أن نكون في صفوف الدول المتقدمة في العلم والبحث العلمي، في الخير والحب والإنسانية دون أن نكون طعما لدول كُبرى، دون أن نكون وسيلة وجسرا يعبر الآخرون من خلاله، دون أن نكون محطة لتحقيق مصالح غيرنا، نريد أن نبني حضارةً لا تفنى حتى حين نفنى وننتهي، نريد حضارة يبنيها العلم والمعرفة لا الدمار والدم والقتل والإرهاب بأبشع صوره، نريد جيوش قوية لتحمينا و تُدافع عنّا لا لتقتلنا ونحن الذين لطالما هتفنا لأجلها وتغنينا بإسمها، نريد أوطان لا نُقتل فيها إذا عبرنا يوماً عن رأينا، نريد طائرات قوية تحمينا من قصف عدو لا طائرات نصنعها بأيدينا وترشقنا فتسلب بيوتنا و أرواحنا و أبنائنا وما عشنا طوال أعمارنا نبنيها ونؤسسها، نريد أن نتقدم وننهض ونكبر دون أن نتخلى عن إنسانيتنا....نريدُ عولمة لا تقتضي المصالح فقط ولا تطلب التخلي عن المبادئ والقيم، نريد عولمة قوامها العلم الذي يبني لا يهدُم، نريد عولمة يكون فيها الإنسان أغلى ما نملك....هل ما نطلب يُعد إستحالة؟!نريد عولمة تخدم الإنسان وترتقي به لا عولمة تحط من إنسانيتنا و كرامتنا وتُدخلنا صراعات لا نخرج منها إلا قتلى وجرحى وعرجا، نريد أوطان نبنيها بالحب لا الكراهية، نريد أن نكون بشرا لا دواب، نريد أن نضحي لأجل أوطاننا و أحلامنا لا أن يُضحى بنا وكأننا خِراف، نريد عولمة قوامها نحن، نحن فقط.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات