اختلطت علينا المتعة بالسعادة حتى ما عدنا نعرف ما نريده منها تماماً ، الفراغات في أرواحنا تتسع وتكبر وقد نصل إلى ما لا يمكن أن نسده منها أحياناً ،

قرأت مقالاً لأحد أطباء علم النفس يقول فيه : المتعة يسببها الدوبامين وأما السعادة فيسببها السيروتونين .كلاهما ينقلان الرسائل العصبية ويلعبان في حالتنا المزاجية وقدرتنا على التركيز والتعاطي مع الحياة ولكن بطريقين مختلفين إذا تقاطعا غلب أحدهما الآخر . مؤخراً صرنا نخلط بين المتعة والسعادة في حالة من اللاوعي ينتهي بها المطاف في أن تسبب أحياناً بفوهة من التعاسة فينا ، نكتشفها مؤخراً ونعود إلى نفس الدوامة لنحاول سدها ومن دون جدوى ، الحق في أننا أحياناً لا نملك خياراً آخر ولكن هذا ما يحملنا الكثير من الطاقة المهدورة في سبيل غايات لن نصلها ، وربما قد يخفف من ضيرها أن نعي ما يحدث على الأقل.

بدأت بمراقبة شؤوني الصغيرة ، ووجدت أن الأيام التي تلت انكساراتي أو تلك التي شعرت فيها بخيبة عاطفية هي أيام حافلة بمشتريات لا أحتاجها حقاً ، نزهات وخروجات وصخب ورغبة عارمة في اقتناء المزيد والمزيد من الأشياء المفضلة والتي أشعر فجأة أنها أكثر ما أريده ثم تتلاشى أهميتها بمجرد اقتناءها . إن سلسلة المتعة لا تنتهي ولا تتوقف على كونها بهذه البساطة إذا ما قادتك إلى أشياء أكبر منها . كأننا نستخدم الدوبامين في محاولة للتغطية على السيروتونين ولكن النتيجة تجيء مغايرة بأن نسب السيروتونين تثبط من فرط افراز الدوبامين وقس على ذلك متعاً أكثر سوءاً !


بعض المدن الكبيرة مثل لاس فيغاس، وول ستريت ، و ماديسون أفينيو قامت بصورة محددة بدمج السعادة مع مصطلح المتعة حتى نتمكن من شراء السعادة ثم نتيجة لهذه العملية أصبحت من أتعس ما يمكن أن تكون . وهذا ما يتوجه إليه العالم أجمع بشكل أو بآخر ، فلا يكاد يخلو اعلان منتج من التركيز على مناطق المكافأة في أدمغتنا والكذب المحبب في تقديم الأشياء المادية على أنها أمور أسمى وأكبر ، إن الاتقان المبهر للترويج للشرائي يعبث بشكل مباشر مع الدوبامين خاصتنا ، ولم يتوقف الأمر على ذلك ؛ فنحن الآن ندمج هذا مع حياة الأشخاص اليومية لتبدو حقيقية، وتحديداً مع من أصبحوا أحد أهم أقطاب العالم في عصرنا حالياً من المدونين ونجوم السوشال الميديا ممن يحصدون ملايين المشاهدات اليومية على تفاصيل تتمحور في التركيز على المتعة وتقديمها كوجه آخر للسعادة .


تتحقق المتعة في امتلاك الأشياء ولكن امتلاك الأشياء لا يمكن أن يحقق السعادة مما يعني أن المتعة تبقى حسية مهما صار مبالغاً في صورتها ولكن السعادة روحية ومرتبطة بالعطاء أكثر من الأخذ ،

إن كون السعادة ترتبط بالآخرين أما المتع فإبمكانك تحقيقها لوحدك يعني أنها قد تكون السبيل الوحيد لتحقيق رضى مؤقت يساعدنا في كثير من الأحيان على تجاوز الأيام التي تبدو ثقيلة علينا ، لا أقلل من أهمية ذلك ولكن علينا أن نعرف أن الإفراط في المتعة يؤدي إلى الإدمان ، وهذا ما لا عودة منه حتى وإن حدث و وجدنا السعادة !


NADIA

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ما شاء الله

إقرأ المزيد من تدوينات NADIA

تدوينات ذات صلة