الوجه الأخر للفرص التي نرغم أنفسنا على التمسك بهم بدلاً من التمسك بأنفسنا.
إن الفرص الثانية التي نهديها دوماً لمن لم يُقَدروا يوماً ما منحناهم منذ اللحظة الأولى لم تكن إلا صك إعدام لذاتنا الغائبة في حضوهم ما بين الفرص اللاحقة والوصول إلى اللحظة التي لن يكون بمقدورنا مَنح المزيد.إن هذه الفرص العَقيمة تتوالى تِباعاً بشكل طردي مع مقدار عجزنا عن التخلي عنهم.حينما نصل إلى اللحظة الراهنة التي نعجز بها عن العطاء,ندرك حينها أننا لبثنا كثيراً ونحن مغيبيين عن واقعنا وبأننا أخفقنا في حق أنفسنا.
كم من الأعمار مَضت هباءا منثورا ونحن نعاني من تبِعات هذه الفرص؟
لم يُخَلف وجودهم إلا أوهاماً اعتدنا تصديقها حتى باتت حقيقة نُعاني من أجل ترميم هشاشتها.تُعيد هذه الفرص تشكيلنا بما يتساوى مع إستنزافنا وإنفصالنا عن رغباتنا الحقيقية التي كانت مُلونة بالخوف من المجهول بعد الفُقدان,لذا ينبغي علينا دوماُ الفرار عند أول إنكسار نشهده مع اللذين باتوا غُرباءاً عن أرواحنا.
نحن أبناء الفرص المُتكررة المُتعبين والمُنهكين من تزيين وجوه العابرين في طريقنا القصير في هذه الحياة الضائعة ما بين ذروات الإختناق من كُل ما يقتحم حياتنا.
أحيانا لن يكون لقاءنا مع أنفسنا إلا بالهروب ممن إعتبرناهم أهلاً لأنفسنا قبل تراكم المزيد فينا والإنجراف بنا إلى هاوية السقوط وإندثارنا في فُوهة الإعتياد ونسيان الذات.بالطبع ,لن يكون هذا الطريق مُجملاً ومُحسَناً ولكنه بالتأكيد سيكون فُرصةً أخرى نهديها لأنفسنا بدلاً من إهدارها على من لا يستحقون.لو أننا إمتلكنا المقدرة على حِساب ما ضاع من عمرنا ونحن نُلقي الأعذار من حيث لا نحتسب لَلذنا بالفرار منذ زَمنٍ طويل فالخوف وحده هو ما أعمانا عن رؤية أنفسنا وأرغمنا على اللجوء إلى رؤية من حولنا.
إنها اللحظة المباغتة، التي نكتشف بها كم كنا نخون أنفسنا التي هجرناها طويلاً ونحن نجول في غياهب أوهامنا التي لطالما كنا نسعى لتجميلها بأعذارٍ عَقيمة.هدوءٌ غريب يجتاح سواد المكان,تتناثر الصور عند عتبة الوداع,تلتقي خِفيةً وتجتمع في عمق الذاكرة الخائنة.فكم من ذاكرة خائنة قَتلت صاحبها؟
في محطة النسيان يجب أن نغادر كما لو أننا عِشنا كل العمر بلا ذاكرة,نرمي كل شيءٍ خلفنا دون أن نَلتفت، نُشَّرع أيدينا وأنفسنا للغد المجهول الذي لن يكون فيه سوانا.فلتسقط الآن خيانات الذاكرة على مَرمى العابرين ولتبدأ الرحلة من جديد.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات