رحلة تخوضها في أغوار نفسك حيث الجميع يخوض رحلته الخاصة في مكانه إذ أنه لا يمكن لأحد الهروب من نفسه الآن.

في ظل هذا الوباء المُسمى بإسم “كورونا”,نعيش أزمةً وجودية لا نعلم كيف ستكون نهايتها.بعيداً عن الجوانب المظلمة لهذا الإجتياح العالمي,نملك الآن بين أيدينا فترة مميزة بإمكاننا أن نعيد تشكيلها كَما يحلو لنا.تَخيل نفسكَ بعد عشرين عاماً أو أكثر وأنت تشرح لأطفالك أو ربما أحفادك عن كيفية وضعنا الحالي والصعوبات التي واجهها العالم بأكمله.ستخبر الجميع بأن العالم بأكمله كان يتشارك حديثاً واحداً,أفعالاً واحدة,هموم متشابهة ,أوجاعاً مشتركة وقلقاً عاماً.ربما هذه اللحظات هي أكثر اللحظات التي يكون بها صدى أفعالاً وكلامنا متشابها إلى حدٍ لا يُمكن أن يتم تجاهله بسهولة فنحن الآن متساوين في مخاوفنا والإجراءات التي نتبعها لتفادي هذه الأزمة.



في هذه اللحظة التي نتكلم بها عن وضع الأسواق,تعليق الدراسة,إغلاق بعض المحلات التجارية,توقف التجمعات,الحجر الصحي,والعزل المنزلي,هنالك أكثر من نصف سكان العالم يتشاركون ذات الحديث بنفس الشغف.إنها فترة مميزة تجعلنا ندرك حقاً بأننا جميعنا متساويين في رغبتنا بالعيش وردات فعلنا لأي شيء من الممكن أن يؤثر سلباً على مسيرة حياتنا.لا أحد له فضل بتفوقه على الأخر,فسكان العالم بأكمله الآن يواجهون نفس التعقيدات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على أداء مهامهم اليومية.فهذا الفيروس لن يسألك عن بلدك,دينك,توجهاتك السياسية وجنسك قبل أن يقتحم جسدك.ِفي خِضَم هذا العالم الذي يبقى في تسارع مستمر,رغبتنا في العيش لا تكسرها أي عَقبة,وحقيقة الموت تقابلها نزعات لا تَكِل عن الوقوف بقوة أمام مسببات الموت لمواجهتها بذات الرغبة لتكرار دوامة الحياة.


تخذلنا هذه الأيام,تجعلنا في مواجهة مع أنفسنا.نَعم,لقد أصبحنا على دِرايةٍ كافية بالخَواء الذي يحتوينا.مُثقَلٌ كاهلنا بخوفٍ مُظلم.لو عَلِمَ الإنسان كم أنه يُحب الحياة لَما تذمر يوماً من عجزٍ إحتواه أو ألَمٍ أَلَّمَ بهِ.عَلى شَفا حُفرةٍ من السقوط الحتمي مع الموت,تهرول الأمة للتحالف مع ضَعفها الذي من شأنه أن ينتشلها من جَبروت سِجنٍ إختلقته لتُبرر هذا الصراع المرير والأزلي مع الحياة.



لا بأس من أوقاتٍ نمضيها مع أنفسنا,لندرك كم أننا نَسعى مِراراً وتِكراراً لنحظى بِعيشٍ رَغيد.ولا بأس أيضاً بالخوف بين الحينِ والآخر,فهو الملجأ الذي يحتوينا عندما تندثر كل أوجه الرغبة.الحياةُ لم تُشقينا يوماً,بل نفسُ المرءِ تُشقيهِ بِخباياها التي تصل إليه كرسالة يَتيمة من أجنحةِ الأمل.


هل يُمكنك الآن أن تصغي قليلاً إلى هذا العالم من حولك؟


عليك فقط أن تُلقي أذنيك أي مكان على جغرافية الأرض الشاسعة لتسمع صفق الأبواب وغلقها بإحكام من كل حدب وصوب,لتُشكل في نهاية الأمر العَود المحمود والكاسر إلى منازلٍ أضحت سجون ساكنيها.لا مَفر الآن ولا يوجد هناك مهرب,الحقائب باتت عَديمة النفع وحزمها بات حُلماً بعيداً.هذه البيوت التي نسكنها هي الملجأ الوحيد لنا,فكل بقاع الأرض تصارع عَدواً واحداً. إن العالم الآن هادئٌ,تملئه حالة من الركون المصحوبة بإنتظارٍ ممزوج مع الهلع والقسوة.يخلو من أصواتٍ كُثر إعتدنا عليها,نشتاق لها برغم تذمرنا المتواصل منها.غيابها أصبح واقعاً مريراً بعدما كان أُمنيةً نتمناها,إننا نحاول الهروب منه بكل ما أوتينا من قوة وعَزم.نحن اللذين حَقدنا عليها وأنكرانها مِراراً,نَفتقدها بنَشيجٍ مَكبوت كَي لا نَفضح ضعفنا المَستور.


هل حقاً نحن البشر لا ندرك قيمة الشيء إلا بفقدانه؟



ينبغي علينا فقدان الكثير لنكسب قدرتنا على الدهشة من جديد فهي وحدها من تدفعنا للإستمرار بترقب آسِر يُعيد للحياة رونقها الغائب.وهجُ صباحاتنا الآن يبدأ فقط بإشراق شمس الصباح وبعضٌ من فناجين القهوة المُخبئة خلف الستائر.من ناحية أخرى إنها فرصة ثمينة لكي ينال نظامنا البيئي قسطاً من الراحة بعيداً عن جبروت الإنسان وإستنزافه المتكرر لثرواته,باﻻضافة إلى ذلك إنها فرصة للتخفيف من إستنزاف طاقاتنا الآدمية.


في الواقع الأيام كلها لم تكن إلا جسرا نَقطعه حتى نتفانى أكثر بكل متطلبات الحياة.ربما هذا هو الوقت المثالي كي ننصت فقط لأصواتنا الداخلية التي تجاهلناها منذ زمنٍ طويل.هي لحظات لن تتكرر لُنسَّلم دّفة القيادة لذواتنا فقط.فَحوى آيامنا لا تُقَدر بمقدار إنجازاتنا,فكل شخصٍ عَليمٌ بما يستطيع تَقديمه.إنه الوقت الأنسب لنحظى بالراحة الغائبة ونكون آسياد أنفسنا فقط.إنه موسم العودة إلى الذات المُفتقدة لِكل إهتمام,فكونوا قريبين منها بالقدر الكافي الذي يُمَكِنكم من إعادة ترتيب بعثراتكم,حتى لا تخذلكم كما خذلتنا أوهامنا في التفوق عَلى كُل صغيرٍ يحيا معنا,إنساناً كان أو غير ذلك.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات آية برجاوي

تدوينات ذات صلة