صديقي..هَل لا تشعُر برغبةٍ في القِراءة مِثلي؟ لا بأس! دَعنا نتحدّث قليلًا..

سأقترِحُ عليك في بِداية الأمر أن تستمِع إلى هذه المَقطوعة من دِفء ماضيّ وطفولتي، فرُبما تندَمِجُ أكتَر مع التَدوينة، وَقتًا مُمتعًا!


كَيف كان ذلِك الشّعور..أن تحمِل كِتابًا بين راحتيك، أن تحمِل عالمًا كامِلًا، أن تحمِلَ ذكرياتٍ وأحداثٍ وحِكايات، وآمالٍ وخيبات..


غَريب أن أبدأ بالحَديث عن هذا الأمر، ولكِن لا يسرِد المرء دائِمًا ما يشعُر به، رُبما نسِرد من وقت لآخر تِلك المشاعِر التي نُريد إحياءَها بداخِلنا مرة أخرى، والكِتابة خيرُ طريقٍ لتذكيرنا بمِا نُحِب، وبما أنّه الشّتاء..فلَسعةُ أطرافي تُذكّرني بحاجتي لأن أهدأ قليلًا، لأن أبحَث في حاويتِي عَن الأشياء التي تبعثُ بِداخِلي الدّفء، وتُنير ما أطفأته كآبة الأيام، وما تحكّمت بِه المِزاجية القَاتِلة، تِلك الخِصلة التي تقذِفُ بِك من الشّرق إلى الغَرب في لحظة واحدة، تجِدُ نفسَك ترتَدي ثوبًا جديدًا مِنك، نُسخة أُخرى مُغايرة لما كُنت عليه منذ ثوانٍ، تغيّرت لديك الأحلام والاختيارات، لا تكادُ تتمسّك بشيء واحد لمُدة كافية، فقَط تتخلّى..دائمًا تتخلّى سريعًا، حقيبتُك النّفسية جاهزة أن تتبعَك أينما قررت الذّهاب، لكنّك حتمًا تعرِف أنّك ستَعود، لا تعرِف مَتى، ولكِنك ستعود.


مَكتَبتي تَعلوها شَذرات الغُبار، ليس الكثير في الحقيقة، فقَد قُمت بترتيبها مُنذ أيام، لم يكُن حتّى ترتيبًا بغرضِ الحَنين، لم تكُن تشتعِلُ لَدي لَذة حَمل الكُتب، بَل كان أمرا روتينيًا للغاية، حتّى أتى نَهار اليوم، جَلستُ أتأمّلها مِن بعيد، أتأمّل ذِكرياتي وذاكِرتي، فالكُتب تحمِلُ معها الأشخاص والأماكِن، والكِتاب صديقُك الذي لا يُفارِقُك، يحمِل لحظاتٍ مِن وجعِك الذي ائتمنته عليه، ويشهَدُ على سعاداتِك الغَارِمة، سفينتُك التي أبحَرت بِك كثيرًا دون كَلل في أرجاءِ الكون كله، فِي البَر والبَحر والجَو كانت لَك جَولات عديدة، ولَك في الخَيال أصدِقاء أوفياء بَين صَفحاته.

أيقنتُ وقتها أنّ أصدقائي قد انتظروني كثيرًا في هذا الرُكن، أعلم أنّهم كانوا لا يملّون النّظر نَحوي طوال تِلك الأيام، أعلمُ جيدًا أن هنالك من ينتظِرني الآن أن أستعِد لأذهب معه في مغامرته الجديدة، كيف كُنت أبحث عن المُغامرات وأنا لديّ مكتبتي؟ يبدو أن الأوان قد حَان لأحمِل صديقًا مِن جديد بين يَديّ لنذهب بعيدًا سويًا، نَحو عَوالم أجمَل!


أصدقائي الأعزاء، الذين يُدركون جيدًا ماذا تَعني الكُتب، الذين تخفق قلوبهم بلَمس صفحاتِ كتبهم المفضلة، وتعرِف حواسهمجيدًا رائِحة مميزة ذَكية دافِئة، جِئت لكم اليوم بأفكارٍ تُساعِدكم على المرور مِن فترة الركود في القِراءة بِسلام، لا نقول الخروج مِنها، لإنه لا بأس أن تهدأ قليلًا من أي شيء، وتسمَح لنفسِك بهُدنة.



لا تُجبر نفسك أبدًا على القراءة


يجِب أن تعرِف جيدًا كيف تتعَامل مع نفسِك في لحظات المَلل المفاجىء مِن أي شيء، لا يجب وقتها أن تدفع بنفسِك لفعل ما مللت منه، فلتعلم جيدًا أنّك بَشري ولَست بمكينةٍ تفعل كل شيء كما يقال لها بالضبط، بل أنت رُوح تفرَح وتَحزن وتتحمّس وتَمل، لا يُمكن أن تسير حياتك دائِمًا كما تُخطط، حاوِل أن تحترِم لحظات فُقدانك للدافِع، وتعامل معها برِفق، واجعلها فترة راحة قصيرة بَين الرّكض، لنفسِك وروحك الحَق في أن تُسايرهما حتى تمر بسلام مِن هذه الفَترة، فأرجوك..لا تُجبر نفسك أبدًا على القراءة!


غيّر أفكارك عن القراءة


رُبما يأتي إلى ذِهنك في الوَهلة الأولى أنّ القراءة تحتاج لمجهودِ النّظر إلى الكتاب بتركيز شَديد، وأن تشحذ ذهنك كليًا لأجل تذكُر كُل شيء، وأنّك يجب أن تدون كُل اقتِباس كي تكتمل استفادتك، كل هذا الجهد الذّهني ليس بمحلهِ أبدًا! فلا تخلِط بين القراءة لأجلِ التعلُّم والمَعرِفة، والقِراءة التي تكون لأجل الثقافة العَامة والاستمتاع والاستكشاف الجميل لأشياء لم تكن تدري بوجودِها، أن ترى الحَياة بأعين الكثيرين غيرك، وأن تحيا ألفَ حياة أُخرى، كل ذلك لا يتطلب مِنك سِوى أن تختار رفيقك وتُبحرا معًا دون أي مجهود!



قُم بتغير رُكن القراءة


الحَالة النّفسية تؤثر بالطبع على رغبتِك بالقراءة، لذلِك احرِص دومًا على تخصيص رُكن دافىء مُريح ذهنيًا لكي يُساعدك على الشعور بأجواء داخلية جميلة تُحبب إليك هذا الفعل، فيُمكنك تخصيص مَكان ما وإدراج بعض الأشياء التي تحمِل طابع هذا العَالم، يُمكنك أن تُعلّق مُلصقات لاقتِباساتٍ تُحبها، أو صَور لشخصيات كُتبك المُفضلة، أو حتّى جُملًا تُحفزك على القِراءة، ولا بأس ببعض الأنوار المُعلقة الرقيقة لتُدخل جوًا ظريفًا للجلوس والاستمتاع، ولا تَنسى أن تُحضّر مشروبًا مُفيدًا مُنعِشًا، لا لا..لا بأس إن لم تَشرب القهوة!



لا تُكمِل كِتابًا لم يُعجبك


من أخبَرك عزيزي القارىء أنّك مُجبر -بأي حالٍ- أن تُكمِل كِتابًا لا تجِد منه أي فائِدة أو استمتاع؟ ليست كُل الكُتب جديرة بأن تُقرأ، وليست كُل الكُتب تُناسِبُك، هُنالك الكثير من الكُتب التي تنتظِرُك، لكنّك لا تمتلِك سِوى القَليل من الوَقت، لِذا لا تُرهِق نفسك مع كِتابٍ لا يُشبِهُك، أو ترجمةٍ رديئة لا تستحِق المُحاولة، فقط اترُكه!



استمِع إلى الكُتب الصّوتية


الاستِماع إلى الكُتب الصوتية هو نَشاط لذيذ للغاية! الأمر يكمُن في أن تُريح حواسك قليلًا وتسترخِي وتترُك زِمام الأمور لصوتِ الراوي ليأخذ بِك إلى تِلك العوالِم دون أن تحمِل الكتاب حتّى، بالنّسبة لي الكتب الصوتية هي حل عَملي يسير، تستطيع أن تستمع إليها وأنت تقوم بأي نشاط آخر لا يحتاج لتركيز شديد، ستكون رفيقة مثالية للوقت الذي تقضية في الحافِلة يوميًا، وأستطيع أن أقترِح أقرب التطبيقات لي وهو تطبيق ستوري تِل ( Storytel).


لا تَرحل عن عَالم القِراءة كُليًا


في فترات ركودِك تحتاج لأن تقضي وقتك مع رِفاقِك الذي يهتمون بالقراءة، تحتاج أن تتجوّل في عالمِك المُحبب هذا قليلًا كي لا تنسَاه، أن تنظُر إلى مكتبتِك من حين لآخر، أن تتذكّر لحظاتك المُفضّلة بصُحبةٍ مشروبك المُفضّل، أن تستمَع لمن يحكي عِن القراءة كثيرًا، يُمكنك مُتابعة البوكتيوب (فيديوهات محتوى القِراءة على موقع اليوتيوب) العَربي والأجنبي، و أن تتصفّح موقِع Goodreads، وهو الموقع الأول لتجمُع القُراء، ويُمكنك أن تتصفّحه حتى تقرأ عن الكُتب وعن آراء الآخرين بِها، فَقط لا تَرحل عن عَالم القراءة كُليًا، كُن بالقُرب دومًا.


ابدأ رويدًا رويدًا وبرِفق


عِندما تُقرر العَودة إلى عَالمِك المُفضل أخيرًا، بجِب ألا تتعجّل أو تتحمّس بشكل كبير، اجعَل خطواتِك الأولى دائمًا مُحددة حتّى لا تُصدَم بمَلل آخر، قُم بتحديد عَدد معين مِن الصّفحات الواجِب عليك قراءَتها باليَوم الواحِد، واجعلها قليلة قَدر الإمكان، ومن الأفضل أيضًا أن تُخصص لهَا وقتًا مُحددًا، كوقتِ قبل النّوم، فتكون بذلِك رفيقة للحظاتِك الأخيرة قبل أن تَغوص بالنّوم، فيُصبح هذا الوقت مُرتبطًا دائمًا بتِلك العادة الصّغيرة، حتّى تكبر شيئًا فشيئًا..فَقط لا تتعجّل!



والآن صديقي القارىء..مِن الطّبيعي للغَاية أن تَمل، ليس من القراءة فَقط، بل من كل شيء، لكنّ تعامُلنا مع أنفُسنا هو الفارِق في هذه الحالة، كيف نستطيع أن نَمرّ بهدوء وسلام دون أن نُثقل أنفسنا بمشاعر لا فائِدة منها سِوى إرهاقِنا، ارفق بنفسِك تجاه كُل شيء، وتعامل بِحكمة مع ما تفعلُه، ورغم كل شيء..ستجد في النهاية أصدقاءك المُفضّلين، يقبعون في أماكِنهم دائمًا، ينتظِرونك مهمَا طال الوَقت.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الله يرزقك الحكمة يا عنان!

إقرأ المزيد من تدوينات عَنان السّماء

تدوينات ذات صلة