بين القصرين هي الرواية الأولى في الثلاثية الأشهر في الوطن العربى للكاتب العالمى نجيب محفوظ. فما الذى سرده الراوى حتى ينال العالمية !
بين القصرين 1919 :
يبدأالراوى الحكاية بسيدة تطل من المشربية التي تطل على سبيل بين القصرين منتظرة عودة بعلها من سهرته ، ولكن الراوى نسى أنها مجرد حكاية وتلاها بكل ما أوتى من إيمان وتصديق . أبدع في الحكى وكأنها أمانة سيحاسب عليها . والحق أنها لم تكن مجرد حكاية ولكنها تاريخ شعب جسده محفوظ في حال هذه الاسرة .. أسرة السيد أحمد عبد الجواد .
أسطورة سى السيد والست أمينة التي امتد عبر الأجيال و صارت رمزا لسطوة الرجل وخضوع المرأة ، وما بقاءها عبر الأجيال الا دليلا على براعة نجيب محفوظ .
تفانى محفوظ في وصف الحالة النفسية لكل شخصية ، وربط مشاكل الحياة بمشاكل الوطن في فترة الاحتلال الانجليزى ونفى سعد باشا زغلول . ربط مشاكل الزواج والتربية ولهو الرجال وفراغ عقل المرأة بالاحتلال ومفاوضات سعد باشا من خلال حديث الاسرة البسيطة في جلسة القهوة . فكانت النتيجة ان بعُد نجيب عن التاريخ المجرد في الكتب وأرخ هو حال الشعب .
عرض حال الشعب مع انتشار اسم سعد باشا زغلول وامضاء التوكيلات وحوادث الانجليز في حديث السيد أحمد مع أصحابه ، وحال طلاب مدرسة الحقوق والزراعة والمهندسخانة وغيرها من المدارس و كيف وزعوا المنشورات وحركوا الثورة في حديث فهمى مع أصحابه . وحال أفراد الشعب الذين بيحبون الوطن لكن يبغضوا المظاهرات ويؤثروا السلامة وأهوائهم الشخصية من خلال نزوات ياسين . وحال السيدات البسطاء اللاتى لا يردن سوى سلامة الأبناء ولا يعين من الثورة وسعد باشا الا ما يترامى الى مسامعهم من حديث الأبناء في حديث الست أمينة .
وبعيدا عن كون الرواية لم تخل من الإنحراف الاخلاقى في وصف بعض المشاهد التي حظت هي الأخرى بإبداع محفوظ غير أن الحبكة في مجمل العمل وجمال الألفاظ يشفع له عند القارئ .
وأقول أن الجينات المصرية لم تتغير منذ مئة عام ، فكأن ثورة يناير وثورة 1919 وجهان لعملة واحدة ، فلم نختلف عن أجدادنا في شيء ، ويظل التساؤل الأهم عندى هي أين اختفت بداخلنا جينات بناة الاهرامات طالما أن قانون الوراثة يسرى بهذه الدقة !!
وأخيرا فإنى ممتنة لهذه الرحلة عبر الازمان ، فلقد شهدت ثورة 19 وخرجت مع جموع المتظاهرين وهتفت ( يحيا سعد .. تسقط الحماية ) ، جريت في شوارع القاهرة من النحاسين للحسين هربا من رصاص الانجليز ، وطرت فرحا بالإفراج عن سعد باشا وزملاؤه وخرجت أحتفل مع جموع الشعب في مظاهرة سلمية ، فإذا برصاص الانجليز يستقر كالنياشين في صدور المجاهدين فيأخذوا مكانهم بين الشهداء .
علم السيد أحمد باستشهاد إبنه .. المجاهد / فهمى أحمد عبد الجواد ، فامتلأت عينى بالدموع حتى خرجت عن حدودها وصافحت الدموع صفحات الرواية لتعيدنى الى الواقع . فطويت الرواية وأطلقت العنان لدموعى ، فما فهمى إلا رمز لكل شهيد ضحى بغالٍ لجل بقاء الاغلى .
الرحمة لسعد و الزعماء
الرحمة لكل الشهداء
والرحمة على الراوى فقد كان له من اسمه نصيب .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات