هذه حكاية صمود دارت أحداثها في اليمن، رأيتها بأم عيني وأردت أن أشاركها في منصة ملهم، لعلها تلهم الكثير ممن يمتلكون الوسائل العلمية وتنقصهم الإرادة.

بدأت رحلتي الدراسية في منتصف الثمانينات وأنا في السادسة من عمري، كان والدي رحمة الله عليه أقوى سند لي بعد الله عز وجل كان يهتم بي كثيرًا ويشجعني ويعلمني ويكرمني بالهدايا الثمينة حتى أكملت المرحلة الابتدائية، حينها كان الاختبار للصف السادس لا يزال وزاري فاجتزته الحمدلله بتفوق وكنت من أوائل الجمهورية، بعد ذلك مباشرة توفي والدي رحمة الله عليه، فتحملت أمي حفظها الله وعافاها مسؤولية تربيتي وتعليمي وكفايتي لكل ما أحتاجه فكانت لي أب وأم في وقت واحد، واصلت دراستي حتى أكملت المرحلة الإعدادية من تفوق إلى تفوق وكنت أحصل على المركز الأول كل سنة ولله الحمد والشكر..

ثم شاء الله لي أن أتزوج، فتزوجت وشرطت على زوجي وأهله أن أواصل تعليمي فقبلوا الشرط، الجدير بالذكر أن المجتمع كان يوم ذاك لا هم له من زوجة الابن إلا القيام بأعمال البيت والمزرعة على أكمل وجه، وغير ذلك إذا لم يكن فلا بأس!!


على كل حال تزوجت ودرست الثانوية العامة وكنت أتعب كثيرًا كي أوفق بين مسؤوليتي كزوجة وبين دراستي، ولكن ربي مدّني بعزيمة صادقة وإرادة قوية حتى أكملت المرحلة واجتزت الصعوبات والمعوقات.. وحلمي لا يفارقني ليل نهار متى سألتحق بالجامعة وأحصل على درجة البكالوريوس.. ولم أكن أتوقع أو يخطر على بالي أنني سأُمنع تمامًا من ذلك.. ومن الذي منعني؟!

هم الذين شرطت عليهم وقبلوا الشرط.. فقد وقفوا في طريقي بكل قوة.. ولمدة اثنتي عشر سنة..

نعم اثنتا عشر سنة وأنا أحاول وأفاوض وأطالب بحقي في التعليم وأقدم التنازلات وأتحمل الصعوبات تلو الصعوبات.. ولم أيأس.. بل كنت أقول لزوجي ثق أنني يومًا ما سأدرس الجامعة بإذن الله..

ومما أكرمني الله به أنه لم تمضي عليّ تلك السنوات سدى، فقد بدأت أحفظ القرآن وكنت حريصة على حضور مجالس العلم وحلق الذكر ومتابعة دروس العلماء وبرامجهم في التلفاز فتعلمت الكثير.. وقرأت في الكتب وألقيت دروس ومحاضرات عامة وفتحت مراكز صيفية لتعليم القرآن الكريم وهكذا إلى أن اقتربت من ختم القرآن.. ثم من الله علينا بفتح المركز الدائم لتحفيظ القرآن -والذي أسأل الله أن يديمه- فعلّمت القرآن وحفّظته لطالباتي اللاتي هن الآن مدرسات المركز..

ثم بعد ذلك قُدِّم لي طلب للتعليم في دار القرآن في الرقة همدان فكانت بداية الغيث لقلبي المتعطش للمزيد من العلم..

ومرت الاثنتا عشر سنة وأذن الله لي أن أدرس الجامعة، بعد الشكر لله لابد أن أشكر الأستاذ الفاضل حسين سعد والأستاذة الكريمة أفراح مسعود على ما قدموا وسعوا وبذلوا من أجل الدفعة كاملة فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

سجلت وقبلت في الجامعة، كنت أتمنى أن أداوم يوميًا فيها لكن كان هناك أشياء كثيرة حالت بيني وبين ذلك.. منها مشقة المواصلات ومنها مسؤوليتي تجاه طالباتي كمدرسة ومنها مسؤوليتي كربة بيت.. ولكن الحمدلله الذي أعانني على أداء تلك المسؤوليات ووفقني للدراسة في نفس الوقت.. فقد نهلت من معين العلم المسطور في تلك الكتب الحبيبة إلى قلبي كتابًا تلو كتاب ومادة تلو مادة فازدادت علومي ومعارفي واستنار فكري أكثر مما كان عليه واكتسبت خبرات ومهارات أكثر وتوسعت علاقاتي كذلك، ثم بعد مرور سنوات الجامعة تحقق حلمي وشعرت بالفخر و الفرح الشديدين، وثم نقلت خبرتي ومعرفتي لطالباتي خاصة ولأسرتي ومجتمعي عامة.. ومازلت ماضيةً في الطريق إلى أن يشاء الله..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أفراح مسعود

تدوينات ذات صلة