هل يُمكن أن نصنع من الزجاج المكسور شيئا جميلا؟ وهل يمكن أن نخفي أثر الكسر في مزهرية مثلا؟
كانت لدينا مزهرية جد جميلة، كنا نضعها في غرفة الجلوس. أذكر أني غبت عن البيت لمدة وحين عدت لم أجدها، سألت عنها قيل أنها انكسرت؛ غير أنهم احتفظوا بها وحاولوا أن يرمموها -لجمالها طبعا- فجمعوا القطع بشريط لاصق، ولكن للأسف لم تعد كما كانت، أثر الكسر كان واضحا جليا للعيان.
ذلك أنهم حاولوا أن يعيدوها كما كانت؛ وذلك خطأ فادح فلا شيء يعود مثلما كان، لاشيء يعود لسابق عهده! ولكن ماذا لو جربوا صنع شيء آخر بقطعها؟ صنع شيء أجمل بكثير مما كانت عليه يمكنهم ذلك أليس كذلك!
كأن تغلّف بقماش براق، أو تُستعمل كإصيص لغرس النبات، أو تُزيّن بها الأرضية بحيث تُوضع القطع فوق الإسمنت...وأفكار لا تعدّ ولا تحصى وكلّها ستجعل من المزهرية المكسورة أجمل مما كانت عليه.
ومع ذلك لا تتعدى المزهرية كونها شيء مادي يمكن تعويضه، يمكن شراء غيره ببساطة شديدة، ولكن ماذا عن الخواطر: هل يمكن جبرها إن انكسرت يوما!
حسنا:
إن الخواطر مثل الزجاج إن انكسرت لا تعود مثلما كانت أبدا، ستبقى ندوب الجراح مابقي المرء، يمر الزمان، يكبر المكسور، يغفر، يسامح، غير أنه لا ينس، لا يرممها الزمن بأيّ حال من الأحوال.
ولكن هل يعقل أن يبقى الإنسان حبيس جرحه! هل ستكون الندوب عائقا أمام سعادته! هل يظل قابعا مكانه يندب جراحه!
إن الركون للكسور لا يكون إلّا من جبانٍ، تأبى نفسه المقاومة، ولا ترض من الدنيا إلا بالهيّن القليل. سيكون الكسر -في حال تم الركون إليه- سجنًا يُدفن فيه المرء؛ فيهجر العالم وتموت الحياة فيه، عتمة تملأ قلبه، وخواء يسكن روحه، شَغفٌ مفقود وأمانيّ ضائعة.
أما الشّجاع فتراه يسير والجرح ينزف، يلملم شتات الروح ويمضي، ويجعل من كسر خاطره خطوة تدفعه نحو الأفضل، يجعل منه دافعا يقوده للأمام، تجربة يتعلم منها، ويُعلِّم بها، تجربة تصقل روحه وتروضها على احتمال الصدمات...يمضي وهو مدرك أنّ الخواطر لا بدّ تكسر، وأنّ المؤمن لا بدّ يُمتَحن، و ما جُعلَت الابتلاءات إلا لتختبر قلوب العالمين. يمضي وهو يدرك أن الغاية ليست بالهَيّنة فعمارة الأرض تستحق كل هذا العناء.
"وما نيلُ المطالبِ بالتَّمنّي
ولكن تُؤخذُ الدّنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات