لطالما تساءلت عن أحلام الناس .. ماذا يتمنون و إلى ماذا يطمحون.. وكانت أحلام الكبار دائماً تثير استفزازي .. ولكنني الآن فهمت.

منذ طفولتي وأنا أتساءل عن أحلام الآخرين ..وأسألهم عنها ..

ومع اختلاف أجوبة الكثيرين إلا أن كبار السن كان لديهم دائماً حلم مشترك ..بيت و مزرعة..

كان هذا الحلم يثير استفزازي ..

لماذا يرضى الناس بأقل القليل؟

ماذا عن السفر؟ و تجربة الأشياء الجديدة؟ و اكتشاف العالم؟ و التعرف على الكثير من الناس؟

تركتم كل هذه المتعة و رضيتم بمنزل و مزرعة؟

فكان دائماً جوابهم .. لن تفهمي بعد .. أنت صغيرة ..

ولكنني و مع ذلك كنت على يقين أنني لن أغير رأيي مهما حصل ..

مهما كبرت سأريد أن أسافر و أجرب أشياء جديدة و أتعرف على الناس ..

-

تاريخ اليوم هو 20 أغسطس 2020.. بعد 27 يوم سأكمل عامي الخامس و العشرين ..

لم أتوقع أن أفهم بهذه السرعة ..

لم أتوقع أن يأتي هذا اليوم بهذه السرعة ..

اليوم الذي أتمنى فيه أن يصبح لدي بيت و مزرعة ..و أعيش بين الشجر .. و أستنشق الهواء النقي..

اليوم فهمت ماذا كانوا يقصدون .. ولماذا كان هذا أقصى أحلامهم ..

-

فهمت أنه الزيف انتشر أكثر من المحتمل ..

فهمت أن الإنسان لن يجد النقاء والصفاء في إنسان ..

لهذا لجأ إلى الطبيعة .. للهواء النقي ..

لأنه بعكس ما يعتقد الكثيرون ..

ليست المشكلة بالاحتباس الحراري الذي لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عنه ..

المشكلة ليست في ثاني أكسيد الكربون الذي تشبعت رئيتنا منه ..

المشكلة في النفاق .. هذا سبب اختناقنا .. وليس دخان السيارات ..

-

عرفت أن الانسان حلم بحياة بسيطة لأنه سئم التعقيد..

حتى أنه اشتهى البساطة فيما ياكل ..

لا يحلم بأكثر من سفرة مكونة من طماطم و خيار و زيت زيتون و زعتر ..

اشتهى أن يسمع ما يرى ..

اشتهى أن تتحد حواسه لمرة واحدة ..

سئم أن يرى شيئاً و يسمع شيئاً و يقول شيئاً مختلفاً ..

اشتهى أن يشعر أنه واحد .. اشتهى أن يشعر بالهدوء ..أن يسمع دقات قلبه ..

اشتهى أن يكون قادراً على التفاعل حسب ما يشعر ..

فإذا أحس بالحب أبداه و إذا شعر بالسعادة ابتسم وإذا شعر بالحزن دمعت عيانه..

من دون منغصات و لا مقاطعة ..

نعم حتى الحزن يريد أن يشعر فيه من دون مقاطعة .. من دون إزعاج ...

تريدون معرفة مشكلة الكبار؟

تريدون معرفة لماذا تمنوا أن يعيشوا في بيت و مزرعة ؟

لأنهم يشعرون بالاختناق .. بالحصار ..

يريدون النقاء .. و الأمان .. هذا حلمهم .

الذي لطالما أعتقدت أنه سخيف..ولكنهم على صواب ..

هذا طموح كبير .. إنه طموح صعب المنال ..

كلنا نستطيع السفر ..

ولكننا لا نستطيع أن نشعر بالأمان بسهولة ..

لا نستطيع أن نكون على حقيقتنا بسهولة ..

لا نستطيع أن نرجع أطفالاً..

فنحن مهما كبرنا .. نبقى صغاراً ..

طلباتنا و أحلامنا بسيطة ..

لا نريد أكثر من بيت و عائلة ..نشعر بينهم بالحب ..هذا هو الأمان ..

وليس هناك أنقى من العائلة ..أو هذا ما كنا نعتقده ..

ولكننا عندما رأينا العالم ..

عرفنا أن نقاء العائلة كان انعكاساً لنقائنا كأطفال ..

وليس نقاء الأشخاص بحد ذاتهم ..

فهم بالنهاية عانوا مما نعاني منه الآن ..

فهم بالنهاية كبروا .. و تشوه نقاؤهم ..

تماماُ مثل ما تشوه نقاؤنا نحن ..

هنا نكتشف ..

أنك تعيش في هذا العالم لوحدك ..

وأن حياتك هي مغامرتك أنت ..

وأن من المستحيل أن تحقق الأمان في هذا العالم ..

وأنك لن تجده إلا عند الله ..

هناك الأمان الحقيقي..ولذاك الأمان يجب أن تعمل ..

لهذا نحلم ببيت و مزرعة ..

حتى نعيش في هدوء ..

حتى نرى العالم على حقيقته ..

ونتذكر كل يوم أننا لسنا خالدين ..

وأن هذه هي مجرد مرحلة ..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تمارا محمد

تدوينات ذات صلة