عن الكتب المملة ولماذا تقابلنا، كالحبهان وسط القراءة

هل تعرف ذلك الشعور الذي ينتابك عندما تأكل بذرة حبهان بالخطأ في منتصف وجبة لذيذة، شعور بالمرارة والامتعاض، رغبة ملحة في التوقف عن الأكل لكن لابد من بضع لقيمات تهدئ بها انقباضات براعم تذوقك.

لكل قارئ منّا امتعاضة شبيهة، عندما نصطدم فجأة بكتاب لا يعجبنا، ما بين رغبة في التوقف عن القراءة وبين الاستمرار مع بضع صفحات أخرى لربما يتغير الوضع.


الكتب جميلة، التهام الكتاب تلو الآخر له نشوة يختبرها القرّاء بداية من المبتديء إلى المتمرس، لكن وسط كل هذه الانتشاء والتلذذ بالسطور والكلمات والنصوص الواحد تلو الآخر، يحدث أن يخترقها كتاب مزعج، قد يكون سيئاً، وقد يكون مملاً، أو حتى غير مناسب الآن، تعددت المبررات والشعور واحد.


لماذا نقرأ


دائماً ما كانت القراءة في قمة كل قوائم التنمية البشرية أو التحفيز، في مقدمة النصائح للنجاح والتغير للأفضل وما إلى ذلك.


لكن السبب الحقيقي لكل قارئ قديم يختلف، القراءة فعل فردي بحت، نفعله لأسباب خاصة قد تختلف ليس فقط بين قارئ وآخر، وإنما بين كتاب لآخر، قد تقرأ هذا للتسلية، وآخر لتضييع وقت الانتظار، وواحد لتفهم أحكام الناس عليه، لكل منا سببه الذي لا يجب بالضرورة أن يكون مقنعاً للآخر.

هذا يقرأ للمتعة، وهذا يقرأ نفس الكتاب للفائدة، كلاهما قد قرأه في النهاية.

لا يوجد سبب واحد للقراءة، ‏فقد كانت القراءة بالنسبة لي هي المصباح الذي أبدد به ظلام الوحدة، ربما هي بالنسبة لشخص آخر مجرد إضافة لحياة تخلو من الوحدة بالفعل.

لكل منا منظوره.


حبهان القراءة


يحدث وأنت في غمرة استمتاعك بكتاب تلو الآخر -سواء كان كتاباً روائياً أو غير روائي-، أن تقابل كتاباً مزعجاً كالحبهان، يحدث أن يفصلك كما ينقطع التيار الكهربائي فجأة ف تصاب بال reading block أو تلك الحالة التي لا تستطيع معها النظر إلى أي كتاب آخر وكأنما جميعهم يحملون وزر الكتاب المزعج ذاك، لكن هل بالضرورة أن يكون الكتاب سيئاً حتى ننزعج؟

في الحقيقة، الكتب الجيدة تكون أحياناً مزعجة أيضاً.


قد تتعرف على كتاب عظيم من حيث المحتوى، واللغة، وما يضيفه لأي قاريء، لكنه ببساطة جاء في الوقت الخطأ، الذي ربما يكون وقتاً انطفأت فيه رغبتك في القراءة إذ لا تتمكن من تكلمة صفحة واحدة وتشعر كما لو أن الكلمات تجثم على صدرك.

أو ربما تكون مضغوطاً غائب الذهن فتشعر أن أي كتاب سيكون القشة التي قصمت ظهر البعير.

أو أن يكون الكتاب مهماً في مجاله لكنك لا تميل له، فتشعر بثقل الكتاب على نفسك، لا لعيب فيه وإنما غياب الود بينك وبين هذا المجال.

أو ربما كتاب فعلا ممل، رديء وفقير فكرياً.


أتذكر أنني بقيت شهوراً طويلة في كتاب واحد، أشعر بالملل من مجرد التفكير فيه، ليس لأنه كتاب ساذج أو سيء، لقد كان كتاباً فكرياً رائعًا، لكنني ببساطة لم أكن في وضع يسمح لي بقرائته.


الكتاب الممل هل إلى الرف أم إلى قرطاس الطعمية؟


يأتي السؤال الأهم، كيف نتعامل مع الكتاب الذي تجده مملاً؟

الكثير من الكتب تضعك في مفترق طرق، ما بين أن تصمد للنهاية، أو أن تقفل الصفحة، خاصة في ظل حقيقة أننا مهما عشنا لن نقرأ كل ما كُتب، فنخشى أن يفنى بنا العمر بين الصفحات الخاطئة.


لكن وبعد سنوات من القراءة المستمرة، يمكنني أن أشاركك - صديقي القاريء- خبرتي المتواضعة في القضاء على الحيرة.


أولاً : يجب أن تتأكد أن المجال يعنيك، وأنك تقرأ عن أشياء تود لو تقرأ عنها.

ثانياً: أن تضع مراجعات القراء الآخرين عن الكتاب في الحسبان، فإن أجمع العديد ممن تثقه في ذائقته، على رداءة الكتاب، يمكنك فقط أن تصنع منه قراطيس طعمية.

ثالثاً، لو لم يكن كتاباً رديئًا وفي مجال تهتم به، حاول أن تعود له في وقت لاحق، وقت يخلو من الضغوطات وذهن صافٍ، أو حتى عد له بعد سنوات لربما كان أفقك لازال صغيراً على استيعابه.

أو أن تكمل الكتاب على دفقات صغيرة وبسيطة، ليس كل الكتب تستحق التوقف، وبعضها يحمل الكنز في أعماقه وإن بدا مقفراً.


في النهاية، لا يمكنك الحكم على الكتاب من الصفحات الأولى أو آراء الناس عنه فقط، فما هو ممل لك مثير لغيرك، لا يوجد كتاب ممل في المطلق، يوجد توقيت خاطيء، ومجال غير مناسب، وضغوطات تجعل صفحات الورق الخفيفة في ثقل الجبال، أو حتى سن خاطيء ولا يناسب الكتاب فئتك العمرية.


لم توجد الكتب يوماً لتكون مملة.

أحضر هذا الكتاب الذي تشعر بأنه ممل من على الرف وأعطه فرصة اخرى، لأن الكتاب المزعج تجربة لابد لكل قاريء أن يخوضها.






خربشات

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خربشات

تدوينات ذات صلة