مشاعر كثيرة انتابتني أثناء مشاهدتي لهذا المسلسل النادر , مما جعلني أدون أفكاري وأخطها عنه

ها هي اللقطة الأخيرة تنتهي و تبدأ معها محاولات الخروج من حالة الدهشة

اللقطة الكاملة من التغريبة جعلتني أستذكر العديد من اللقطات التي عشناها واقعاً ورأيناها بحذافيرها وذرفنا عليها دماً , ولا أعلم إذا ما كان الدمع في هذه الحالات له قيمة مضافة إلا أنه يعبر عن وجود مشاعر الألم والقهر

وربما هذا هو سبب تعلق الناس به .. لربما لأنه يشرح معاناتهم ويجسد في صورة الكثير من قصصهم

لربما لأنهم رؤوا أنه يمكن لعمل فني أن يؤرخ وأن يكون صورة مصغرة على جدار التاريخ لما عاشوه حقيقةً .

ولماذا التغريبة الفلسطينية حصرا ؟

لماذا أقوم بمراجعة مسلسل وأقوم بتلخيصه أو محاولة خط بضع سطور عنه ؟

في الحقيقة لم يكن الأمر مجرد مصادفة وقد يستغرب البعض أنني من مواليد التسعينات ولم أشاهده حتى الآن , كنت أسمع به كثيرا منذ صغري ولكن لم يكن لدي القدرة على مشاهدته, لسبب ما كنت أتخيله فقط من شارة البداية ورؤية الطفل " رشدي " وهو يمشي مغبرا لا يعلم أين سينتهي به طريق التهجير

كنت أشعر بالمعاناة والألم فقط عند سماعي لـ " لا تسل عن سلامته روحه فوق راحته "

ولكن بعد وفاة المخرج حاتم علي رحمه الله بدأت برؤية مقتطفات من مسلسلاته في مواقع التواصل

أدهشتني جدا مقتطفات التغريبة .. أدهشني جمال حواراتهم وعمقها

وهنا كانت الرحلة

أكثر ما لفتني في البداية هو عرض الحياة الريفية ووضعها على كفّتي الميزان بين الجمال والهدوء وبين قساوة المعيشة والكدح

بين أهمية المحصول وعمق شجرة الزيتون في نفوس الفلاحين وبين محاولة الهروب للتعليم والتمدّن

وأكثر ما أحببته هو محاولة تسليط الضوء على أهمية التعليم , لقد كان المنفذ الوحيد لتكوين حياة وسطية عادلة بعيدا عن جحد الأرض أو انتظار مطر السماء

ورغم أن القصة كاملة مسلطة لتروي معاناة الناس بين القصف واللجوء

إلا أنها حملت معها الكثير من المعاني السامية في تلك الحوارات البسيطة الممزوجة باللهجة الفلسطينية الريفية بعيدا عن التكلف

كنت سابقاً أرى أن القراءة أعمق من الرؤية وأن الكتابة قادرة على إيصال المشاعر بدقة عالية بواسطة الحروف

لكن في لحظة من اللحظات وبعد رؤيتي لتفاصيل وجه المبدع خالد تاجا الذي جسد شخصية " أبو صالح " حينما تعرضوا للتهجير اختلفت وجهة نظري كثيرا

لقد جسد كل معاني اللجوء والفراق من الديار مع أمل طفيف في العودة عبر لقطة مصورة وبثوان معدودة , في نظرة عيونه وبتقطيب حاجبيه , في امتلاء التراب بين تجاعيد وجهه وتغلغل الدموع مع رجفة جفنيه

أعتقد لو أن كاتباً للأدب أراد شرح كل تلك التفاصيل لاحتاج إلى عشرات الكلمات ليوصل للقارئ حق المعاناة والأسى

بكيت معهم وتأملت معهم وخاب ظني معهم وكأنني حقا أعيش في تلك الحقبة وفي ذلك الوقت

إن الفن الذي يحمل القضايا يحمل معه ذكريات الناس وأوجاعهم .. يجسدهم في قصص لم يعيشوها لكنها لهم .. يحملهم معه وليبقيهم ما بقي في هذا العالم







رؤى باسط


رؤى باسط

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رؤى باسط

تدوينات ذات صلة