ترجمة لمقال قصير للفيلسوف آلان دو بوتون يتحدث فيها عن المعنى المغلوط للعلاقات المعاصرة.


قد يبدو الأمر غريبًا ومهددًا بعض الشيء إذا تحدثنا عن تخفيف الضغط عن العلاقات العاطفية.

بحكم ثقافتنا الرومانسية الموروثة، نحب أن نتخيل أن العلاقة الفعَّالة بين اثنين هي العلاقة التي يفعل بها الاثنان كل شيء مع بعضهم البعض وهما فيها مركز حياة بعضهم البعض. الزوجان الجيدان -كما قيل لنا- هما شخصان يعنيان كل شيء لبعضهما دوناً عن أي شيء آخر.

لكي نحظى بعلاقة سوية، علينا أن نوفِّر احتياجات الآخر في جميع مناحي الحياة، وأن نتلائم ونتقابل في جميع العادات بداية من عادات النوم إلى التلائم في أنماط الطبخ ووصولا إلى أشكال التحفيز الفكري، من المفترض أن نقود حياتنا الاجتماعية جنبًا إلى جنب وأن نكون أول محطة آمنة لمشاكل بعضنا البعض، أن يكمل أحدنا الآخر روحيا كما يكمله وجوده المادي. فإذا كانوا يشاركون في رياضة ما، فيجب علينا الانضمام إليها أو على الأقل الحضور ودعمهم في نهاية كل أسبوع، إذا أردنا زيارة بلد معين، فمن المفترض أن يهرولوا معنا بحماس، على أصدقائنا أن يكونوا -في نهاية المطاف- أصدقاءاً لهم ... إلخ

قد يبدو الأمر بديعًا ولكنه -على المدى الطويل- وصفة لكارثة حتمية، حيث لا يمكن لإثنين أن يتطابقا تماماً في جميع مجالات الوجود، ومحاولة القيام بذلك تنذر بنهاية مليئة بالمرارة والغضب.

لقد قدمنا لأنفسنا -على المستوى الجماعي- صورة غير مفيدة إطلاقا عن الكيفية التي يجب أن يسير بها الحب.

تُقرأ أي خطوة مستقلة عن الشريك كإشارة إلى أننا لا نستطيع في الواقع أن نحب بعضنا البعض ويُنظر إليها على أنها علامة على خطر وشيك إذا قمنا بزيارة بلدان أخرى بمفردنا أو إذا أردنا النوم متفرقين مثلاً.

لذلك ينتهي بنا المطاف بإزعاج بعضنا البعض للقيام بأشياء لا نحبها حقًا فنجبر بعضنا البعض على تحمل هوايات مملة أو مقابلة الأصدقاء القدامى غريبي الأطوار، ليس حتى لأننا نريد القيام بذلك، ولكن لأن أي طريقة أخرى له قد تبدو وكأنها دليل على خيانة ميثاق العلاقات العاطفية.



العلاقة العاطفية ليست كل شيء!


إن نظرة أكثر واقعية أو بالأحرى أكثر رومانسية للأزواج تشير إلى أنه يجب أن يكون هناك عدد ما من المساحات القليلة الأساسية التي نتقابل بها ولكن يجب أيضا أن تتوفر عدة مساحات أخرى نستطيع أن نخوض غمارها بمفردنا.

يجب أن ندرك أن درجة من الاستقلالية لا تمثل هجومًا على الشريك: بل هي ضمان لمتانة الالتزام الأساسي الذي قطعه المرء حين ارتضى الارتباط. فالأزواج المستقرون حقًا ليسوا أولئك الذين يفعلون كل شيء معًا، إنهم أولئك الذين تمكنوا من تفسير وتقبل اختلافاتهم ضمن سياقات عقلانية وغير درامية.

في نهاية المطاف، لا يعني الحد من الاعتماد على الشريك أن العلاقة في طريقها إلى التفكك، بل تعني أننا تعلمنا أن نركز بوضوح واهتمام على ما يمكن أن يجلبه لنا الشخص الآخر بالفعل وأن نتوقف عن إلقاء اللوم عليهم لعدم كونهم أشخاصا آخرين. ليس علينا الشعور بالضيق من أن وجهة عطلاتهم المثالية تبدو لنا غير جذابة، أو أن أصدقائهم يبدون مملين. وأن نتعلم بدلاً من ذلك، أن نقدِّرهم في المساحات التي نراهم ويروننا بها رؤى العين.

وللتنعّم معهم بعلاقة منسجمة يجب أن نضمن أن لدينا الكثير من مصادر الإثارة والطمأنينة والحث بجانبهم، وعند مواجهة المشاكل، يجب أن نكون قادرين على الاعتماد على أشكال أخرى من الدعم.

إن مطالبة شخص آخر بتعويضنا عن كل ما ينذر بالخطر أو الإعياء أو النقص في حياتنا لهي آلية منهجية لتدمير أي علاقة. سنشعر في الحال أن صراعتنا وخيباتنا أكثر قابلية للإدارة عندما نتوقف عن مطالبة شريكنا أن يشغل جميع المساحات كنصفنا الآخر الذي وُجِد بعد فقدان طويل. وكلما استطعنا التعايش بشكل فردي داخل علاقة ما، كلما زادت فرصة تلك العلاقة في الاستمرار والاشباع.

أي أننا نعطي الحب فرصة حقيقية عندما نتوقف عن الاعتقاد بأنه وحده يستطيع إنقاذنا.


لا أحبكِ حبًّا لا يُضاهى و لا أشقى لغيابكِ ولا أموت فقط أضعُ يدي على جبينكِ لأعرفَ ما الذي فيَّ ما زالَ حيًّا. -بسّام حجّار





روان عادل
إقرأ المزيد من تدوينات روان عادل

تدوينات ذات صلة