المترجم ما بين أن يقع في غيابات النسيان وبين أن تقضي عليه الشهرة

هل سبق لك أن قرأت نعي أحد المترجمين في جريدة ما او عبر صفحات الإنترنت؟ هل سألت نفسك من يكون هذا الرجل؟ وبعد ذلك قررت أن تبحث عنه فوجدت له صولات وجولات في عالم الترجمة. والأهم هل سألت نفسك هل يمكنني أن أبلغ ما بلغه هذا الرجل من علم؟ وهل توقفت حينها وقلت "ثم لا يعلم أحدهم عني شيئًا.


حين جاءتني فكرة كتابة هذه السطور كان في مخيلتي أنني سأكتب عن كيف يمكن للمترجم أن يسوق لنفسه؟ ثم وجدت القلم يكتب كلامًا يحمل طابع الحزن على ما صادفته أثناء بحثي عن بعض المترجمين، لم أكن أعلم عنهم أي شيء ثم وجدت أن التاريخ نفسه لم ينصفهم. لا أعلم ما الانطباع الذي ستتركه تلك الكلمات في نفس القارئ إلا أنني أكتبها لعلها تسلط الضوء على من أضاءوا الطريق ورحلوا ثم وقعوا من ذاكرة التاريخ وذاكرتنا لسبب أو لآخر.يمكننا في البداية أن نتحدث عن أن الأجيال الحالية تتمتع بمزايا كثيرة لم تكن تخطر على بال قدامى المترجمين، ومع ذلك نجد كثير من الترجمات القديمة تحمل طابعًا رائعًا.


إن هؤلاء العظام استطاعوا بإمكانيات بسيطة للغاية، وبعقولهم وحدها أن يحققوا نجاحات لا يمكن إنكارها؛ ولكن هل حازوا نصيبهم من التقدير والشهرة؟إن المتتبع لتاريخ الترجمة والمترجمين خاصة في وطننا العربي يجد أن هناك أسماء كبيرة لم يصل إلينا منها سوى مجرد اسم، وأننا في حقيقة الأمر لا نعلم عنهم شيء، بل إن البعض وصلنا ما قام به من ترجمات دون حتى أن نعرف اسمه؛ ويصبح الأمر أكثر تعقيدًا في حالة إعادة ترجمة ما قدموه من أعمال فهنا يختفون تمامًا. يمكننا القول إن هناك مئات بل آلاف المترجمين الكبار لا نعلم حتى بوجودهم، وانتهى الأمر بوفاتهم، ووقعوا طي النسيان.إن الأمر جد يحزن قلوبنا ويدميها، خاصة حين نتوقف للحظة ونراجع أنفسنا ما الذي قدمناها في عالم الترجمة؟ وهل سنرحل دون أن نترك أثرًا يبقى؟ وهل يمكن للعلم الذي نحاول تقديمه أن يُنسى؟ قد تبدو كلماتي حزينة بحكم تأثري ووصولي بالفعل لمترجمين رحلوا لم أصل سوى إلى اسمهم واسم كتاب قاموا بترجمته، ولكن حزني هذا متعلق بالماضي، فالوضع الحالي مختلف تمام الاختلاف.


اليوم نجد المترجم يتعلم التسويق لنفسه ولخدماته، ولا يجد غضاضة في عرضها على الآخرين. خرج الكثيرون من قوقعتهم وبدأوا يتفاعلون مع الحياة ومتطلباتها. فما العيب في أن اظهر نفسي وقدراتي وأفتخر بما أقوم به من ترجمات؟يمكننا أن نُشير فقط هنا إلى حالة البعض ممن فهموا أن الشهرة والظهور أهم من المحتوى الذي يقدموه، فنجد حالات بسيطة سعت إلى إثبات وجودهم في عالم الترجمة بأي شكل من الأشكال دون أن يكون لهم أي بصمة حقيقية تحسب لهم، أنني لا أهاجم أحد بعينه ولكن أرى أن المترجم يجب أن يوازن ما بين تطوير مهاراته وثقل موهبته وبين أن يصل ويتواصل مع المنتمين إلى مجاله، وأن يتأكد أن جهده لن يضيع وأن الشهرة وحدها لن تحميه.رحم الله كل من رحلوا عن عالمنا، وأفنوا حياتهم في علم وصلنا منه القليل وضاع الكثير منه.


القاهرة 20/6/2020

رشا الغيطاني


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شكرًا جزيلًا لتشجيع حضرتك أستاذ طارق ^_^ أسعدتني

إقرأ المزيد من تدوينات رشا الغيطاني

تدوينات ذات صلة