عن الترجمة والوضع الاقتصادي الراهن واتجاه الكثير إلى أمور أخرى غير ذات صلة

الترجمة وأكل العيش


الرؤية الضبابية والجائحة المسيطرة على العالم، والعديد من الظروف المحيطة بكل فرد منا، كل هذا يقودنا نحو مستقبل غير واضح المعالم؛ ولكن اللافت للنظر حقًا تحول الكثير من المترجمين إلى اتجاهات أخرى غير الترجمة، حتى إن البعض لجأ إلى متابعة التريندات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي وعمل فيديوهات عنها. بعض المترجمين كان من الذكاء الكاف بحيث أستغل الفترة السابقة في تنمية مهاراته واستكشاف قدراته، والبعض الآخر قرر أن مهنة الترجمة لم تعد كافية كمصدر دخل بأي حال من الأحوال، وشرع في البحث عن البدائل المتاحة.


في كل الأحوال لا يمكننا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وعلينا مواجهة الواقع والتحديات، لم تكن مهنة الترجمة في أي مرحلة من مراحلها بالأمر اليسير بل كانت على الدوام مهنة البحث والتنقيب والاكتشاف. مهنة محفوفة بالصعاب، وأيضًا حافلة بلذة العلم، والمعرفة، والتواصل. الترجمة منذ بدايتها، وقبل ظهور الطباعة اعتمدت على البحث عن كتب ونسخها وترجمتها بخط اليد، ثم ظهرت الطباعة وتبدلت هموم وصعاب المهنة على نحو مختلف، حتى وصلنا في يومنا هذا إلى الحد الذي تنافس فيه الترجمة الآلية بشكل شرس الترجمة البشرية؛ مع أنها وحتى لحظة كتابة هذه السطور قائمة على وجود العنصر البشري.


وإن أطلقنا العنان للحديث عن هموم ومشاكل المهنة وما تواجه من تحديات لن يكفي هذا المقال ولا غيره، ولكننا أردنا أن نتحدث هنا عن ظاهرة جد ملحوظة، ألا وهي الابتعاد عن الترجمة في مقابل العمل في أمور غير ذات صلة بها، كالمترجم الذي قرر فجأة أن يتحدث عن تنمية الذات، أو المترجم الذي قرر أن يتحفنا بفيديوهات عن الصناعات اليدوية، حتى إن أحدهم قرر أن يستعرض مهاراته في الطبخ. وهو ما جعلني أتساءل وبشكل تلقائي هل سيتحول كل هؤلاء إلى العمل في مجالات أخرى غير الترجمة؟ أم أن تلك الفيديوهات هي نتيجة فترة الحظر المنزلي التي نعاني منها جميعًا. أم أن الأمر أعمق من كل هذا والترجمة أصبحت فجأة كما يقولون (مبتأكلش عيش).


لا يمكننا إنكار تردي الوضع الاقتصادي العالمي على جميع المهن؛ ولن تعد الترجمة استثناء من هذا. إن الظروف الاقتصادية الحالية والمستقبلية لن تكون كما تمنيناه؛ ولكن علينا أن نعيد تقييم أوضاعنا وفق المستجدات، وعلينا سواء من قرر منا الاستمرار في هذه المهنة، أو العمل بها إلى جانب مهنة أخرى أن نختار ما يناسب، فهل من المنطقي أن يصبح المترجم نجم توك شو أو صائد تريندات، أو شيف أون لاين مثلًا. والأهم أن ننتبه هل مفهوم الترجمة بشكله الذي عهدناه قد طاله التغير والتطور؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل تطورنا نحن بالقدر الكاف؟ قبل أن نحكم على المهنة والأوضاع، وقبل أن نعلنها صريحة (الترجمة مبتأكلش عيش) علينا أن نصارح أنفسنا هل بذلنا الجهد المناسب؟ هل تطورنا وتعلمنا؟ وهل كان لدينا من البداية هدف طمحنا في الوصول إليه من خلال عملنا بالترجمة؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رشا الغيطاني

تدوينات ذات صلة