في طريقنا نحو البحث عن شغفنا، نواجه العديد من الصعوبات والعراقيل، ونحس اضطرابا في مفهوم الشغف وكيفية إيجاده، فكيف بإمكاننا التغلب على كل ذلك؟

الشغف هذه الكلمة العظيمة التي لا تعني أكثر من أن تكون مقترنة بالإصرار، وليدة للحب، مولّدة للنجاح! فليس بوسع المرء أن يكون شغوفا بالشيء إلّا إذا أحبّه من أعماق قلبه، ثم لا يستطيع أن يهمّ به إلّا إذا قرنه بالالتزام والإصرار والعزيمة، ليكون النجاح وملامسة الهدف نتيجة حتمية لكل ذلك.


وقد تصدر مقالنا سؤال: ماذا عن شغفك في هذه الحياة؟ وهو أشبه ما يكون إلى تحفيز متعمّد لخلايا دماغك حتى تسأل نفسك عن ماهية كل ذلك، وتبدأ في عملية البحث، لذلك كان لا بدّ علينا أن نسأل بادئا ذي بدء: كيف تجد شغفك في الحياة؟ إن هذا التساؤل هو هم الكثيرين، ولتعلم عزيزي القارئ -عزيزتي القارئة- أنّك لست وحدك، وأنك غير ملام في ذلك، فمفاجآت الحياة في النهاية قد تكلفنا عمرا بأكمله قبل أن نصل إلى مصدر شغفنا، وسرّ حبنا لما نقوم به.


ومن أجل معرفة ذلك، لا بدّ لنا من استقصاء المعنى الحرفيّ لكلمة شغف، وهو مستمدّ من الشغاف، أي سويداء القلب وحبّته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمقه وشدة تمكنه من صاحبه. ثم لا بدّ لنا من أدلة وعلامات، تماما كالمرض الذي نشخصه من خلال الأعراض التي تظهر على حامله.


ولعلّ أهم علامة من علامات الشغف هو حبك للعمل أو الهواية -أو أيا ما كنت شغوفا به- حبّا يبلغ بك حدّ الهوس وينسيك كلّ ما هو خارج عن إطاره ومحيطه، وتركيزك الكامل معه إلى الدرجة التي تجعلك تنجزه في صفة مثالية أو تكاد! فأنت بكونك محبا لذلك الشيء، ترفض قطعا أن تعيبه أي نقيصة فتبذل مجهودك كله، ويكون تفانيك في العمل وإخلاصك له هو العنصر الأساسي للحكاية، وتنبع المحاولات من أعماق القلب لتظهر النتيجة كاملة مرضية,


أنت هنا لا تتحجج بالتعب، لا تحاول إيجاد بدائل عن ذلك العمل، لا تخلق زيارات لعمتك أو جدتك، ولا تسرع للرد على الهاتف حينما يرنّ، بل على العكس من ذلك تماما! فأنت تخلق الوقت بنفسك، وتحاول إبعاد كل الملهيات عن محيطك، حتى تتفرغ بصفة تامة لذلك العمل، أنت تسقط وتنهض في كل مرة، وتفشل، فتولد من جديد مثل طائر العنقاء، وأنت هنا تدرك قيمة قول أحد العلماء عن العلم:

إذا أعطيته كلك، أعطاك جزءه

ستجد نفسك شغوفا بعملك إن تمكنت من الإبداع فيه، واستطعت رؤية اللامألوف من الأشياء، وقراءة ما وراء السطور، والابتعاد عن الأطر النمطية له، ستكتشف أنك تكسبه في كلّ مرة طابعا جديدا، وهيئة منفردة تميزه عن غيره، ستتخلص من رؤيتك السطحية العابرة للأشياء حولك دون سبر جيد لأغوارها ومحاولة لفهم ما يكمن وراءها، ستدرك أنك لن تكون مبدعا إلا إذا كنت شغوفا.


القارئ في حياة العالم الفيزيائي 'نيكولا تيسلا' على سبيل المثال، يلتمس روحا شغوفة بكل ما له علاقة بالفيزياء، وهو الذي مكث ذات مرة في مكتبه لمدة 84 ساعة دون أن يحس بمرور الوقت، "عباس بن فرناس' الذي أحب السماء والطيران دفع حياته ثمنا لذلك، 'نيلسون مانديلا' الذي كرس حياته من أجل المناداة بالعدل والحق والحرية وأمضى أكثر من عشرين سنة في السجون، 'بابلو بيكاسو' الذي كان شغفه بالرسم يوقضه في الأوقات المتأخرة من الليل لممارسته، 'فاطمة الفهري' التي بنت جامعة القرويين فكانت أول جامعة لذلك وغيرهم كثر.


توجد مقولة للكاتب الياباني 'هاروكي موراكامي' قال فيها:

فقدت اهتمامي بهذا العالم، خاب أملي وأحبطت وفقدت شغفي ولذلك تخليت عن حياتي وذهبت للعيش في مكان منعزل

هذا الاقتران الحتمي بين فقدان الشغف وفقدان الرغبة في الحياة، يجيب عن تساؤلنا الوارد: لماذا يجب على الإنسان أن يبحث عن شغف له؟ ولماذا يجب عليه أن يتبعه؟ ليأتي الجواب مسرعا: حتى يتمكن من العيش، حتى يستحق الحياة!


'أبو القاسم الشابي' الشاعر التونسي الذي غادر الحياة وهو في الخامس والعشرين من عمره، يضرب المثل الأجدى في الشغف لما تركه من دواوين شعرية رائعة تجعل منه على سنه الصغير شخصية فذّة ملهمة. وهو القائل بالمناسبة:

" أبارك في الناس أهل الطموح

ومن يستلذ ركوب الخطر "

وعمره الصغير ذاك، مع إنجازاته العظيمة تعلمنا درسا آخر من دروس الشغف، وهو أنه غير مقترن بالعمر بتاتا!

بإمكانك ممارسته وأنت شاب يافع، كما بإمكانك اكتشافه في مرحلة شيخوختك.. المهم أن تجده!


في رحلة بحثك عنه، ستواجهك العراقيل من كل النواحي، فالطريق غير مفروش بالورود أبدا، ستجد من يحاول إحباطك بكلماته، وآخر بأفعاله، ستتعرض لصعوبات مادية ومعنوية، وستشعر في لحظة من اللحظات أنك غير قادر على المضي قدما.. تلك اللحظة بذاتها ستكون مفصلية، وستحدد شغفك بناء على نهوضك من جديد، أو ركودك!








ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ليس لدي هدف دنيوي اهذا غريب ام لست وحيدا ؟

تدوينات من تصنيف تحفيز

تدوينات ذات صلة