التوبة تعيد للنفس توازنها فينطلق التائب بروح إيجابية متفائلة وبأمل متجدد نحو ذاته وحياته


د جاسم المطوع

الخبير الإجتماعي والتربوي


هل التوبة والإستغفار علاج نفسي؟

طرحت هذا السؤال لأن كثيرا من الناس يشعر بالراحة النفسية والإطمئنان والسلام الداخلي بعد توبته من الذنب أو بعد استغفاره من التقصير، فما تفسير هذا الشعور؟ قبل أن نفسر هذه المشاعر ونجيب علي هذا السؤال لابد أن نعرف أثار الخطأ والذنب علي نفسية المذنب، فعندما يرتكب الإنسان الخطأ أول شعور يشعر به هو (الحزن) سواء تجاه نفسه والناس أو تجاه ربه، ثم تتوالى المشاعر السلبية الأخرى عليه من توتر وقلق واكتئاب وبعضهم يصل به الحال إلي كراهية نفسه ويتمنى أن يتخلص من الدنيا ليرتاح، فيعيش بمشاعر مؤلمة من الفشل والإحباط واليأس، وبعضهم يقرر اعتزال الناس بسبب كراهيته لنفسه، بالإضافة إلى ضعف الثقة بالنفس والتردد،


هذه المشاعر السلبية التي ذكرناها كلها مشاعر قلبية نفسية، وعلاجها بالتوبة والإستغفار لأن التوبة تعيد للنفس توازنها فينطلق التائب بروح إيجابية متفائلة وبأمل متجدد نحو ذاته وحياته، ويشعر بالسعادة لأنه تخلص من عقدة الذنب وتأنيب الضمير، فالتوبة تغسل النفس وتزيل الأثقال وتذهب الهموم،


فالتوبة والإستغفار تفعل بالإنسان مفعول السحر،

كما أن التوبة تحرر النفس من الشعور بتحقير الذات وتعيد الثقة بنظرة الإنسان لنفسه، وتجعل الشخص يقبل نفسه بحسانتها وسيئاتها بعدما كان يحاربها ويحقرها وكارها لها، وكذلك التوبة تحرر التائب من الخوف والقلق والتوتر الذي يعوق نجاحه، وتقوي الإنسان في مواجهة شياطين الإنس والجن، لأن التائب لجأ إلي ربه وأستعان به ووثق برحمته وعفوه، فلما صحح علاقته مع ذاته وربه وفوض أمره لله، شعر بالراحة النفسية والإطمئنان القلبي وهذا هو هدف العلاج النفسي فالتوبة إذن هي علاج نفسي للنفس البشرية


ومما يشجع التائب الثبات على توبته أنه يعلم بفرح الله ومحبته له، كما قال تعالى (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)،

ومما يجعله لا يكرر خطأه مرة أخرى، المكافأة الكبيرة التي يحصل عليها عند توبته، وهي تبديل السيئات إلى حسنات، وقد ذكرها الله تعالى بعدما عدد أنواع من السيئات، منها أن يدعوا الإنسان مع الله إله آخر، أو يقتل النفس أو يرتكب الزنا فمن بفعل ذلك له عذاب عظيم إلا من تاب كما قال تعالى (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)،

فتبديل السيئات لحسنات من أكبر الحوافر التي تشجع الإنسان للتوبة والشعور بالراحة النفسية


ولكن للتوبة شروط حتى تكون صحيحة، أولها (الندم) علي فعل الذنب، وثانيها (الإقلاع) بمعنى أن يترك الذنب، وثالثها (المجاهدة) بأن يجاهد نفسه بعدم تكرار نفس الذنب مرة أخرى،

أما الإستغفار فهي كلمة تقال باللسان وهو نوع من أنواع الذكر يكسب الذاكر الحسنات ويمحوا عنه السيئات فيشعر بالراحة والرضى والسلام الداخلي


فالتوبة والإستغفار سحر السعادة في الحياة، وحتى الأنبياء كانوا يتوبون كما وصفهم القرآن الكريم فنبي الله داوود عليه السلام تاب من حادثة الخصمين الذين تسوروا المحراب فقضى لأحدهما قبل أن يسمع دفاع الخصم الآخر، وموسى عليه السلام تاب من طلبه النظر إلي الله تعالى، ويونس عليه السلام تاب لأنه ترك قومه بعدما رفضوا الإنقياد له، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الإستغفار في كل مجلس

ويقول : (ياأيها الناس توبوا إلي الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة)


فالإنسان بطبيعته ضعيف ومعرض للخطأ، فتأتي التوبة والإستغفار لتعطيه القوة والثقة، من خلال تكنيك الغاء الخطأ الذي عمله وتصحيح نظرته لنفسه، وكما هو معروف فإن الأمراض نوعين بدني وقلبي، فأمراض الأبدان تشخص بما يظهر عليها من أمراض أو من خلال الأشعة، بينما أمراض القلوب تتأثر بالمعاصي ويصعب تشخيصها إلا من الشخص نفسه عندما يشعر بالهم والغم، وعلاجها بالتوبة والإيمان والدعاء والتقوى،


ولهذا نحن نقول بأن التوبة والإستغفار علاج نفسي، لأنه إذا صلح القلب صلح سائر الجسد




مَعِين
إقرأ المزيد من تدوينات مَعِين

تدوينات ذات صلة