كُتِبَ هذا الإلهام على اعتبار أنّ كُل مِنا هو طاغيّة ومُلهِم على مقاسه!

في وطنٍ يسودُه الروتين، والتقليد الأعمى بدأت حياتي الجامعيّة بشغفِ العلمِ والتفوق، كانت حياةً إنعزاليّةً مُمْتعةً، وأهدافاً سهلة المنالِ، وأسماءً على لوحةِ الشَّرف، حتى سمعت مقولة: "لا تدخلْ الجامعة سَنفور، وتتخرج سَنفور".


كان لِتلك اللحظة الفَضل بالتغيُّر الجوهري لَديّ على مستوى الفِكر، والشخصيّة، والمنطق، والذي بدأ يظهر في مناحي الحياة الشخصية ليسمو بها إلى شخصيّة القيادة المكتسبة، وكذلك التغيُّر على المستوى المعرفيّ الذي ساهم بتغيُّر نظرتي إلى الحياة مِن أنها عِلمٌ متراكم، إلى أنها علمٌ مُتواتِر. (والقصد من العِلم الأولى: العلوم البحتة، والثانيّة: المهارة)


أثر كُل ما سَبق على تَطَلُعاتي للحياة، وكان سبيلاً للإنغماس بتعَلُم المهارات البسيطة التي نفتقر إليها في مجتمعاتنا (Soft-Skills)، والتي ما كانت إلا بدايةً لتيارٍ لا يَنضَبُ من المعارف ونزعةً لا تنقطع نحو التغيُّر في تَفكيرنا وطُموحِنا؛ إذ كان هذا التغيُّر حصيدةَ الإنغماسِ في ذلك العالم المرن المُسمى بالتطوع. كان للتطوع مع عدد من المبادرات المحلية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات العالمية ثمراتٌ جَنَيّتُها، إذْ:



١. كان للتطوعِ الميدانيّ والإنسانيّ مع (ابتكرجو، وقدها وقدود، ومؤسسة لوياك) أثراً لا يُنكر في بناء وتَطوير الشخصيّة القياديّة المُكتسبة، وتعليم المهارات البسيطة (Soft-Skills)، وبناء معارِف تُشارِك الإنسان طموحاته، وتَسعى معهُ نحو النجاحِ الحقيقيّ.


٢. أما التطوع الأكاديميّ واللامنهجيّ مع فريق تيربو، يَتمَحور أثره في معرفة ومُمارسة المعنى الحقيقيّ للعمل في فريق، وتَحمُل المسؤوليات، وتَنوع الأدوار، وغرس قِيَّم الشغف في القيادة وحُبّ المسؤوليّة.


٣. أما نقطةَ التَحَولِ الحقيقيّة فكانت بعدَ انضمامي إلى منظمة مهندسي الكهرباء والإلكترونيات في الجامعة الهاشمية - IEEE، حيث بيئة العمل التي يسودُها الرسميّة والحرفيّة، والتطوع الحامل لرسالة تَطوير التكنولوجيا في خدمةِ البشريّة، والذي بدورِهِ كان له الأثر في ممارسةِ العديد من المُعتقدات، وكان إحداها بأنّ على الإنسانِ حملُ رسالةٍ، او الإيمان برسالةِ غيره، والعمل من أجلها في حياته.


وبعدَ المذكورِ آنفاً من سيرةٍ ذاتيّة يَراها القارِئُ على نَحو الأنانيّةِ أو الإعتبار، كانت حصيدَتُها خَلقُ الرغبةِ في التحدي صعوداً للهرم. فلولا ما بناهُ التطوع البدائي من قاعدةٍ صَلدة يُبنى عَليها ما بُنيَّ؛ لما تَجرأت، ورَغِبت في قيادة خمسة أشخاص في (IEEE) لعدة أشهُر؛ انتهت بقيادتي لما يزيد عن ٧٠ طالباً، وقيادياً يَسعون لتحقيق هدف رئيسيَ واحد نحو تطوير التكنولوجيا لخدمة البشرية.


أُنجِز ما سبق بأمرين:


أولاً، بأبرز نصيحتين وجِّهو إلي، وكانَا مصدراً لإلهامي:


١.١ كانت الأولى فعل الأمر "تَطوعْ"، ولم أُدرِك الإلهام من ذلك الفعل إلا بعد ممارسته.


١.٢ تَعلم متى تقِف، (أو بمعنى آخر متى تقول لا)، كانت تلك العبارة السبب الرئيس في تَنَقُلي بين ما يَزيد عن ١٠ مُبادرات، ومُنظمات، وأفرقة تطوعيّة ومؤسسات خدمة مجتمع؛ إذ أنَّ لكلِ مكانٍ حقُه وواجِبه، والاستمرارُ في المكانِ بعد اعطائه حقه، والقيامِ بواجباته ما هو إلا استنزافٌ للوقت والطاقة. وكان مِقياسي في ذلك على مستوى التطوع ينبني على مبدأ توقف قدرتي على التَعَلُم وقُصورِها في التعليم، وعلى المستوى الشخصيّ كان ينبني على العُمر (اذا ما كنت الأصغر عمراً، والأقل معرفة بالمكان يلي انت فيه؛ يمكن تكون بالمكان بالغلط).


ثانياً، بأربعةِ اعتباراتٍ شخصيّة استند إليها بكل دائرة شكٍّ، أو اتخاذِ قرارٍ واجهني:


٢.١ إعرفْ قيمتك في مكانِك، ولا تَلتَفِت للنَقد إلا مِمَن تسألهم النصيحة، حيث كُنتُ دائما وما زلت أعتبرُ نَفسي من أفضل ١٠% ممن يشاركني المكان، سواء كان ذلك على المستوى العِلميّ في الدراسة، أو العَمليّ في التطوعات على اختلافها وتنوعها، ومِن وجهةِ نظري فإن هذا الاعتبار يَدفعْ صاحِبَهُ دَوماً نَحو محاولةِ التَفوقِ، والعطاء لوجود ١٠% ممن سبقوه، والحافز لتجاوزه النسبة الأكبر ممن يشاركه المكان ولحظاته.


٢.٢ إعرفْ مِن تُصاحِب، ومَن تشارِكه الوقت؛ لأن جملة "الصديق وقت الضيق" -بالنسبة لي- هي جُملة خاطئة لا تعودُ للواقعِ بصلة؛ فلِوَقتِ الضيقِ أهله، والكثير ممن يشفق عليك ويعاونك. الصديق الحقيقي -بنسبة لي- كان من يُشاركني طُموحي، ويَكون سبباً لتَعَلُمي، وأكون سبباً في تَعلُمه، فالتَعلُم المُستمِر -على اختلاف طبيعته- هو سبب استمرار، واحترام الصداقات.


٢.٣ الشيء الذي تُتقِنُه لا تتطوع فيه؛ لأنَّ الهَدف من التَطوع -مِن وجهة نظري- كان استثماراً للوقتِ مُقابِل الفائدة، أما بعد إتقان الشيء، فقد حان وقت جني ثمار إتقانه، وعدم التطوع فيه لا يَعني عدم تَعليمه للغير، فالإنسان لا يعرف قيمة خبراتِه ومهاراتِه إلا عند محاولة تعليمها لغيره.


٢.٤ موازنة حياتك على الحِفة (الحد بين المتعة، والإنجاز، والرخاء) مهارةٌ عليكَ الفخرُ بِها، ومُحاولة اقتِنائِها، فعلى سبيلِ الذِكر لا الحَصر، الحاصلين على علامة (٤\٤) أو (٣.٥\٤) في جامعتي لا يُفرِقهُما شيء سوى الموازنة بين أولويات الحياة للحصول على نفس النتيحة المدعوة "بالإمتياز".


أختِمُ المذكورَ آنفاً، باعتبار أن كل ما سبقَ وقَرأتَهُ ما كان إلا ساعةَ فراغٍ استغرق استثمارها في كتابة هذا الإلهام كوباً من الشاي، وحياةً بأكملها، فالمَقال يُكتب بساعة، والإلهام لا يُكتب؛ وإنما يكون حصيدةً لمشاركةِ وقتك مع غيرك.



أوس زامل

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

It's amazing how you used your personal experience to influence and inspire others. You're on the right track, so keep it up!

إقرأ المزيد من تدوينات أوس زامل

تدوينات ذات صلة