الصباح، أولاً، بداية حديث ينتهي تزامنا مع انتصاف الشمس وسط السماء،

يصورون الصباح يا صاحبي في رداء من أمل، يلبسونه كل يوم ويطمرون همومًا وأحزانا ولدت من رحم الليل الطويل.

في بدايته، عجوز تكنس دارها الصغيرة، من البوابة إلى الحظيرة. تراجع قراراها في عدم اقتلاع العريشة، لم تخطئ في ذلك. تخيفها فكرة أنها كبرت، ولا تقتنع أنها عجزت، فترضى عن وجود العريشة وبقائها، وتبتسم؛ مثل كل يوم. فأحلى ما في صباحها نتاج هذه العريشة، عنقود عنب حلوٌ طعمه كالعسل.

في الصباح، بائع متجول يعطي فقيرا. وآخر ينادي وينادي ليؤمن قوت يومه.

وفيه، أمٌّ تودّع أطفالها لبناء مستقبلهم. عيناها تدعوان، في ابتسامتها كل الكلام وقلبها يخفي بين ثناياه خوفاً زاد من شدته الزمن.

في الصباح معلم يراجع طريقة التدريس. وطالب يقنع نفسه بعدم جدوى حفظ جدول الضرب.

في الصباح، طبيب يشرد في مريضه الذي في السرير. بينما يستعد آخر لإخراج مريض من قسم العناية المركزة.

وفي الصباح، سيدة ترتشف كوب شاي خالٍ من السكر، ثم تدعو صديقاتها لينضموا إليها. فما الصباح إلا اجتماع الأحبة.

في الصباح، مهندس يذهب إلى عمله كما في كل خريف. وآخر يستقيل من عمله المتعب مترددا، إذا ما الإجازة ستكون فكرة أفضل.

فيه، زوجة محبة، ترعى مولودها ذو الأسابيع المعدودة، تحسّ كم هي محظوظة، تتمنى له حياة سعيدة يبتسم فيها كما تبتسم له الآن ودائماً.

في الصباح، موظف يحيّي مديره الجديد. وغيره من يتأفف من حال التغيير.

في الصباح، تلميذة مستعجلة للالتحاق بالحافلة. كلما تأخرت عنها ظنت أنها تتأخر عن مستقبلها الواعد فترتعب. تتذكر أنها تنجو في كل مرة. تتغير تضاريس وجهها، فتظهر ابتسامة.

وفي الصباح، صاحب معرض يعرض ما لديه من ثمين وبخيس، ويقدم المساعدة للوافدين.

في الصباح، عجوز جالس على سطح بيته العتيق، يتأمل في سحر الوجود، تراه فرّ إلى السجود. فما الصباح إلا لسان يسبح ويشكر الله على ما مضى وما حضر.

من جماليات ما في الصباح، قطرات الندى العالقة على ورق الشجر، ريح خفيفة تربت على الكتف وعودة الألوان إلى الحياة بعدما طمسها الظلام.

وأجمل ما فيه، استيقاظ أرواح البشر وعودتها من الموت، لتنعم بجمال حياة جل هدفها عبادة رب محب غفور.

فالصباح أصل الموضوع، وفيه حل الأمور. وإذا أردتَ، هو منبع السرور. قبلتَ أم لم تقبل،

سيظل الصباح يثبت لك محاسنه في كل يوم إلى أن تفهم.

في الصباح، مخاوف كثيرة متعلقة بالمستقبل المجهول.

لكنَّ الصباح، ميلادٌ جديد.هو شروق الشمس بعد نوم عميق تنشر خيطان دفئها لكسر سم صقيع الليل؛ واستيقاظ السحاب من سبات طويل ليزين السماء بأشكاله المتنوعة.

فيه، ينتشر الناس في الأرض يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا كل إلى رزقه المكتوب.

وهناك، في الصباح، أمل طفيف، روح متفائلة وابتسامة زُرِعت على فم يأبى التشاؤم.

ابتسامة متشبثة إلى الأبد ترفض الخضوع لكل المخاوف.

والصباح، أخيراً، بداية حديث ينتهي تزامنا مع انتصاف الشمس وسط السماء، تماما كما الآن.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

😍❤️❤️

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة