البروباغندا حسب تعريفها في ويكيبيديا تعني نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور من خلال مجموعة من الرسائل المركزة


الهدف الأساسي هو التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص. وبكلمات بسيطة تعني البروباغندا التحكم في مشاعرنا وأفكارنا من خلال أهم القنوات لدى الإنسان وهي: السمع والبصر. ومهم أن ندرك أنه ليس من السهل اطلاقاً أن نرى او نشعر ‏متى وأين يتم التحكم بنا.

‏هنا سأتناول مقتطفات من أهم الكتب في هذا المنحى وهو كتاب Propaganda the Public minds المرفق صورته ادناه:


 البروباغندا وكيف تؤثر فينا13436516191552040

الكتاب لأحد أهم الخبراء في البروباغاندا أو مؤسس ما يسمى "العلاقات العامة والبروباغندا" إنه ادورد برنيز وهو نمساوي المولد أمريكي المنشأ ولد عام 1891-وتوفي عام 1995. ويذكر أن بينيز ابن اخت سيغموند فرويد رائد علم التحليل النفسي.هذا الكتاب صدر سنة ١٩٢٨، مما يعني أنه قديم جداً وأن البروباغاندا ليست مفهوماً حديثاً.

وكما نشاهد من غلاف الكتاب أن هناك شخص مربوط بأسلاك يتحكم فيها الآخرين من اتجاهات مختلفة، وهذا يعبر تماماً عن فحوى البروباغاندا. فقد قال بيرنيز:"البروباغندا موجودة حولنا في كل مكان، وهي تغيّر طريقة رؤيتنا للصورة التي نراها أمامنا بشكل مختلف، هذا يعني أن لها مفعول يؤثر على رؤيتنا للأمور، من خلال ما نراه سواء (صورة، نص) أو ما نسمعه (موسيقى، صوت، نص) ويترسخ بالتالي في وعينا ولا وعينا أيضاً.

مثال توضيحي بالصورة:

 البروباغندا وكيف تؤثر فينا63632371489764950


ما نراه هو مجرد حرف (ميم) بالانجليزية ولكننا بمجرد ما رأيناه تنتقل المعلومة عبر خلايا الدماغ لتعطينا نتيجة فورية أن هذا شعار المطعم الشهير عالمياً مكدونالد. وهذا ما أقصده على مستوى اللاوعي.

والآن سأتناول هذا الموضوع من خلال محورين:-


١. البروباغاندا والاعلانات التجارية:

جميعنا في العالم العربي تحديداً نعرف الاعلان التالي: خدلك بريك…… خدلك كيت كات.

تم ربط "الاستراحة" وما تعنيه من الحرية والاسترخاء بأصابع البسكويت المغطاة بالشوكولا "كيت كات". فطالما سمعنا الجزء الأول من الجملة خدلك بريك……. سيذهب بنا التفكير تلقائياً للجزء الثاني، ونكمله بشكل عفوي دون ادراك منّا.

قد يعتبر غالبية الناس أن هذا هو الذكاء في التسويق، ولكنه يعتمد على قاعدة بسيطة جداً وهي (التكرار). فليس مهماً إن كان هذا صحي، حقيقي أم غير ذلك المهم أن اعادة تكراره لمئات والاف المرات تجعله راسخاً في الذهن. وهذا هو أحد أهم أسس البروباغاندا، والذي سأتناوله أيضاً لاحقاً في المحور الثاني.


مثال آخر موضح في الصورة أدناه:-

 البروباغندا وكيف تؤثر فينا21570833006615820

هذا الاعلان لأهم شركات السيارات الألمانية BMW، وكما نرى هناك سيارة على حافة الطريق وبالجوار البحر أو النهر والطبيعة الخلابة، جو مناسب للاستجمام.

مجرد رؤيتنا لهذا الاعلان أو اعلانات شبيهة للسيارات في الطبيعة سيتولد لدينا بشكل آلي مشاعر الرغبة في الحرية، الإجازة، ترك الهموم والمشاكل وصعوبات الحياة اليومية والعمل والمسؤوليات، والرغبة فقط في الاستجمام، الاجازة، القيادة، المغامرة…..الخ.

هذا الاعلان البصري ولّد المشاعر والرغبات لدينا، ولكن هل السيارة تعني حرية؟ أم اختناق مروري وأزمة سير!!!


 البروباغندا وكيف تؤثر فينا49093228301876504


لنسأل أنفسنا:كم مرة شعرنا فعلاً بالحقائق الوهمية التي تولدها الاعلانات!! ومع ذلك نصدقها. لذا يتم استثمار ملايين الأموال في الاعلانات، فلو أن لا تأثير لها لما كانت كبرى الشركات تصرف الملايين على الاعلانات.

قد يقول قائل: أنا انسان واعي ومتعلم ومثقف، ولا تأثير للبروباغاندا والاعلانات عليّ. يؤسفني أن أخيب آمالك، التأثير لا علاقة له بالمستوى العلمي أو المادي. البروباغاندا تؤثر فينا جميعاً كبشر لأنها قائمة على اختراق الجزء المهم لدينا وهو كنزنا "الدماغ".

لو قلت لك الآن: أرجوك لا تفكر في الفيل الزهري اللون! هل ستستجيب؟ طبعاً غير ممكن، ليس لديك خلاص، لقد فات الاوان وفكرت وتصورته في ذهنك طالما قرأت النص.


في العالم الرقمي التسويقي الذي نعيشه اليوم لا مفر لنا من هذا أيضاً، تلاحقنا الاعلانات في كل مكان، سواء تنبهنا لها بوعي أو من دون وعي. يعتمد كل هذا على أهم قنواتك وهي العين والأذن، سمعي وبصري. لا يمكنك أن تمشي مغمض العينين وتصم أذنك عن المحيط. فلو كنت تمشي في المدينة ستجد اللوحات الاعلانية تلاحقك في الشوارع والطرقات والأزقة حتى. عند مشاهدة التلفاز وسماع الراديو، عند حملك لهاتفك النقّال. راقب منذ الآن ذلك بتيقظ ووعي وستجد ما نحن غارقون به. تخيّل لو أن تعيش في مدينة مثل طوكيو أو نيويورك


 البروباغندا وكيف تؤثر فينا48130930163322790


لننتقل للمحور الآخر الأكثر خطورة وهو:

المحور الثاني: البروباغاندا والحرب

يتم تسويق الحروب تماماً مثل الاعلانات التجارية أو التسويق التجاري، مع أنها مرفوضة منّا عميقاً في الداخل على المستوى الانساني، لكنها حقيقة واقعة شئنا أم أبينا، لماذا؟ لأن البروباغاندا ببساطة (التحكم في مشاعرنا وأفكارنا) من خلال العناصر البصرية والسمعية.

الفكرة الأساسية الأخلاقية هي أن الإنسان ضد الحروب، لكن لننظر حولنا ونسأل: ما الذي يدور واقعياً حولنا؟


ادورد برنيز قال:


نظرياً: فإنّ كل مواطن له رأيه الخاص، وعلى أرض الواقع: صعب أن تكوّن رأياً في كل المسائل وبالذات المعقدّة الشائكة، لذا نحن نتبنى آراء صانعي القرار والمتحدثين في وسائل الإعلام



لنوضح المقولة من خلال الحرب على العراق عام ٢٠٠٣:

لم يكن لأي إنسان على وجه الأرض رأي في ذلك، فما الذي حدث فعلياً: قام السياسيون بابداء آرائهم التي تبناها غالبية الشعب لاحقاً، كيف تم ذلك؟ من خلال التأثير على المشاعر والافكار كالترويج لفكرة امتلاك العراق اسلحة بيولوجية وكيماوية، مما يُثير مشاعر الخوف لدى أي إنسان.

في أمريكا تم الترويج للحرب من خلال المتحدثين وصانعي القرار:


المثال الاول: نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني في خطاب له في شهر اغسطس عام ٢٠٠٢:

"لا شك لدينا أبداً أن لدى صدام ‏حسين أسلحة إبادة جماعية"


المثال الثاني: وزير الخارجية كولن باول في خطاب له في مجلس الأمن الدولي في نيويورك وتحديدا في فبراير عام ٢٠٠٣ قال:

"إن لدى صدام حسين لديه الكثير من بكتيريا الجمرة الخبيثة، لذا على الولايات المتحدة ضرب العراق لأنها دولة خطيرة".

هذا الحديث بثّ مشاعر الرعب والخوف لدى عامة الشعب الأمريكي، وبشكل طبيعي يود أي مواطن حماية نفسه وعائلته وأطفاله وهكذا.


المثال الثالث: رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أيضا دلى بدلوه قائلاً:

"العراق يحتوي على أسلحة بيولوجية وكيماوية جاهزة للتشغيل في غضون ٤٥ دقيقة".

لعب بلير على وتر الوقت، فلم يقل ٤٥ يوماً أو أسبوعاً أو شهراً، بل دقيقة، ليشعر أي مواطن أن لا وقت لديه إذا اشتعل الفتيل لممارسة حياته الطبيعية. وهذا الكلام تم بثه على الكثير من وسائل الاعلام العالمية والعربية أيضاً بشتى الطرق والرسائل وبشكل متكرر يومي على مدى ايام طويلة. وهكذا تم ضرب العراق في شهر أذار مارس عام ٢٠٠٣.

والحقيقة التي نعرفها جميعاً وفي كل العالم تم إثباتها واقعياً: لا أسلحة دمار وابادة في العراق. هذا ما دفع كولن باول لاحقاً للقول: "حديثي وصمة عار في تاريخي المهني". لكن حديثه وهذه البروباغندا للحرب كلّفت العراق ملايين الأرواح.


وقد نتمنى جميعاً التخلص من هذا التأثير ؛ والحقيقة ممكن ذلك من خلال:


 البروباغندا وكيف تؤثر فينا66073638986481950


  • العودة للطبيعة وممارسة الرياضة فيها مثل الجري، المشي لساعات معينة خلال النهار واعطاء الدماغ فرصة للسكون.
  • التأمل
  • تقليل استهلاك وسائل الإعلام بكل أشكال وسائطها ومن ضمنها أيضاً الهاتف الذي تحمله أينما ذهبت.
  • وضع أي شيء تسمعه وتراه موضع المساءلة، لا تصدق بشكل أعمى أي مسؤول أو قائد أو صانع قرار. ابحث وتيقظ.



المراجع:


  1. Propaganda
  2. Illegale Kriege
  3. Imperium USA
  4. ويكيبيديا





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ميسون أبوزغيب

تدوينات ذات صلة